ثقافة ومجتمع

فن الشوارع.. يعكس ملامح شرقية جميلة

·        (سويسرا والعرب) – قاسم البريدي

 (الحيطان دفاتر المجانين) مقولة شعبية ساخطة تطلق في البلاد العربية على الذين يكتبون ويرسمون على الجدران للتعبير عن آرائهم المكبوتة وهم غالباً من الشباب، لكن هنا في بلاد أوروبا عكس ذلك فأينما كنت في الشوارع ومحطات القطار أو في مداخل الأنفاق والجسور تجد جدراناً تملؤها رسومات جميلة لفنانين يعشقون هذا النمط من الفن.. ولكل جدار صورة للوحة إبداعية وأحياناً تحكي قصة أو تعالج قضية.. ورغم فوضويتها، إلا أنها محبوبة.

وبفضولي الصحفي لفت نظري لوحات جدارية جميلة فيها الكثير من الخيال وسحر الشرق لبعض الفنانين السويسريين المعجبين بالخط العربي والزخرفة العربية، وهذا ما دفعني لرصد العديد من لوحاتهم   والبحث عن أصحابها.

سياحة ثقافية جديدة

الفنان ميشا عمره 38 عاماً يمثل نموذجاً لهؤلاء الفنانين تحدث لـ (سويسرا والعرب) قائلاً: أنا أعمل في فن التصميم والرسم منذ 20 عاماً، وأحب فن الخط والزخرفة بكل اللغات العالمية لاسيما الشرقية كالخط العربي والصيني، وتوصلت إلى تصميم نوع خط خاص بي، إضافة إلى هوايتي بتصميم الأفلام والفيديوهات الكوميدية والخيالية.

وماذا تقول عن فن الرسم في الشارع ؟..يجيب: الناس تذهب عادة سياحة ترفيهية إلى العواصم العالمية كباريس ولندن، والآن هناك سياح يذهبون ليشاهدوا لوحات فن الشارع الموجودة بكثرة في مختلف المدن الأوربية وهذا نمط جديد من السياحة الثقافية.

 وأضاف أنا أذهب أثناء العطلات أيضاً إلى إيطاليا وألمانيا وزرت إحدى المرات الصين، وأتمنى زيارة سورية والدول العربية لأشاهد وأتعلم وأمارس الخط العربي لكن هناك نوع من الخوف حالياً نتيجة الظروف غير المستقرة.

الموضوع يأتي لوحده

 وعن كيفية اختيار فكرة موضوع لوحات الشارع ومدة إنجازها يقول ميشا: الموضوع يأتي لوحده أثناء الرسم ويستغرق العمل عدة ساعات وأحياناً يوم وأكثر حسب الحالة النفسية، والآن كما ترون أشارك مع زميلي بهذه اللوحة ونتحدث على مهلنا دون استعجال لتكتمل معالمها شيئاً فشيئاً.

وعن مشاركته بالمعارض الفنية يقول: شاركت هذا العام بثمانية معارض جماعية ومعرضين فرديين، وأقوم سنوياً بإنجاز نحو 300 لوحة فنية سواء أكانت خاصة للمعارض أو كلوحات جدارية في الشوارع بمساحات كبيرة وهنا كما ترى ارتفاع اللوحة التي أعملها ثلاثة أمتار وطولها نحو ثمانية أمتار.

أخيراً سألناه عن كيفية إيجاد جدار للرسم عليه، أجاب: لا أجد صعوبة وأعرف الأماكن المناسبة بالتنسيق مع زملائي، وطبعاً لا نتقاضى أي أجر على لوحاتنا لأننا نحب الفن ونريد عرض أعمالنا على الجمهور مباشرة، ونشعر بالمتعة والسعادة لأننا نجعل المدن أكثر جمالاً خاصة في الأماكن الفارغة أو المنسية والمهملة.

خيال واسع يشمل الخط العربي

نشير أخيراً إلى أن فكرة فن الشارع ترتكز بشكل رئيسي على التحليق خارج السرب والابتعاد عن أماكن الفن التقليدي، والالتحام بشكل مباشر مع الجمهور دون حواجز وجذب الانتباه لقضية مجتمعية هامة، أو نشر القيم الجمالية.

وطالما أن الفنون جنون، فإن كل فنان يرى الكون من زاوية مختلفة، ويعتمد على رؤية ابداعية مبتكرة، تميزه عن غيره وتعكس مدى اتساع خياله، وكيفية تناوله للقضايا المعاصرة. والحقيقة الراسخة هنا أن الإبداع لا يتوقف ولا ينتهي ونشاهد الجديد فيه وغير المتوقع، فدائما ما يفاجئنا الفنانون بابتكارات لا تخطر على البال، وفى الفترة الأخيرة ظهرت عشرات الأفكار كالرسم بالحجارة، والرسم بالقهوة، ولوحات ومجسمات باستخدام سيارات ودراجات قديمة وغيرها الكثير الكثير.

ولهذا ليس غريباً في هذا السياق أن نجد بعض الفنانين السويسريين يوظفون الخط العربي في فن الشارع وحتى في معارضهم التشكيلية العديدة..

ومن خلال زيارتنا لمرسم الفنان ميشا لاحظنا أن أغلب لوحاته الرائعة تعبر عن عشقه للخط العربي وحروفه وكذلك الزخرفة العربية، وهذا يعكس إمكانية وأهمية توظيفه كعنصر فكري وفني وجمالي في الفن التشكيلي الأوربي المعاصر، حيث التناغم اللوني والحرفي، وأصبح هذا الخط مركز الحركة والحياة عند كثير من الفنانين التشكيلين في سويسرا وأوروبا، ففرض نفسه وأصبح انتشاره واضحاً في مسار تطور الفن التشكيلي العالمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *