د. عامر سلايمة في حواره مع (سويسرا والعرب) (2-2): الجالية العربية في سويسرا لها خصوصيتها.. وديناميكية العائلة اختلفت وقد يصيبها الاضطراب…؟!

·       (سويسرا والعرب) – حوار قاسم البريدي:

الغربة لها ضريبتها على الجالية العربية.. فماذا يحدث للأسرة في المجتمع الجديد…؟

اليوم وفي القسم الثاني من حوارنا مع الطبيب النفسي الدكتور عامر سلايمة، نتابع الحديث عن أسباب الخلافات العائلية والحلول الممكنة والمطلوبة.. ودور المنظمات العربية في مدينة بيل لتعزيز دور الجالية العربية في الاندماج والإنتاج والابداع.    

د. عامر سلايمة
  • دكتور عامر في البداية نسألك.. كيف تنظر لواقع الأسرة العربية بشكل عام؟

لا يوجد نموذج محدد للأسرة العربية، لكننا نتميز كمجتمع شرقي بأن العائلة لها مكانتها وهي مصدر طاقة قوي للأفراد، وهذا يعطي زخماً قوياً للشخص، وعندما تكون العلاقات الأسرية جيدة فهي تشكل دافعاً معنوياً ونفسياً ممتازاً للإنسان، لكن هذا لا يعني أن الأسر السويسرية متفككة..

الخلافات العائلية بين صدمة الحروب والتكيف مع الظروف الجديدة

  • موضوع الخلافات العائلية في سويسرا وأوروبا بشكل عام ازدادت بشكل ملحوظ.. لماذا؟

للأسف الشديد المهاجرين إلى سويسرا لديهم مشاكل كثيرة، بعضها سياسي كتعرضهم للتعذيب أو فقدان أحد أفراد الأسرة، ومعظمهم جاؤوا هاربين من الحروب، وتعرضوا بشكل مباشر أو غير مباشر لمواقف شديدة أو مرعبة نتيجة الوضع الأمني في بلادهم الأم، ويمكن أن يصاب أحد أفراد العائلة فيما بعد بمرض (الشدة ما بعد الصدمة) وهو موجود بكثرة..

والناس في هذا البلد لم تأتي للسياحة أو للدراسة.. وأغلبهم جاؤوا طلباً للجوء، بينما هناك دول كفرنسا وبريطانيا الناس تذهب إليها للدراسة ثم تعمل وتستقر فيها.

  • لكن.. بعد فترة من الإقامة تحصل المشكلات الاجتماعية.. فما أسبابها؟

المشكلات ناتجة عن عدم التأقلم مع الوضع الجديد، والناس كانت تعيش بوضع آخر ووجدت نفسها فجأة لا شيء، وحتى التكوين الأسري في العلاقة بين الأبوين كانت مختلفة في تونس أو سورية أو لبنان أو غيرها من الدول عن الوضع هنا.

وأذكر هنا مثال عن أب سوري قال لي: عندما يأتيني ولد جديد أشتري له كل حاجاته (ملابسه وسريره وألعابه) جديدة، وهنا هو مضطر لشراء الأشياء المستعملة (الذي هو أمر عادي في سويسرا)، وهذا الأمر لا يستوعبه الأب بهذه السهولة.

 وكذلك المرأة العربية كانت غالباً متفرغة في البيت لتهتم بأولادها وأسرتها والرجل يخرج للعمل، والآن هي تخرج للعمل أو للدراسة وربما زوجها لا يعمل، وبالتالي ديناميكية العائلة اختلفت وأصابها الاضطراب..

 وبالنتيجة وخلال فترة تغير الاستقرار تحدث مشكلات عديدة، وقد تحدث حالات طلاق أو إعادة ترتيب العلاقات من جديد، والتكيف مع ظروف مختلفة وتغيير الأدوار والمواقع ونقبل بها..

الحل يبدأ من تعلقنا بالمستقبل لا إلى الماضي..

  • وما الحل لتلافي مثل هذه التحديات الأسرية الكبيرة؟

لا يوجد شيء محدد نقوله، لكن المهم أن نتأقلم الأسرة مع البيئة الجديدة، فقد كنا نعيش بوضع مختلف وعلينا ألا نقول: أنا كنت في السابق كذا وإنما نقول: ماذا نحن بعد؟ تماماً كما يقول المثل الفرنسي (نحن ليس كما كنا قبل، إنما ماذا سنكون بعد)..

ولو نظرنا إلى الوضع المتاح في سويسرا، لوجدنا أن هناك أشياء كثيرة متوفرة وفرص جيدة، وعلينا الاستفادة من هذه الأمور بطريقة مختلفة ومتميزة، وعلينا أيضاً – وهذا هو الأهم- أن نكون منفتحين على التغيير…وثقافتنا منفتحة بطبيعة الحال وموجود لدينا كل شيء من القيم والتسامح والتعايش.

الجالية تشارك في تظاهرة نسائية

بين عزل الذات.. وشماعة (العنصرية)

  • وهل يوجد تزمت وانغلاق؟

(التزمت) مفهوم مختلف من شخص لآخر.. فهذا الشخص قد يكون متزمتاً بتصرفاته بالنسبة لك ولغيرك ليس متزمتاً أبداً، وأعتقد أنها ردة فعل الإنسان عندما يحس بنفسه ضمن مجتمع غريب، ويعمل على عزل ذاته معتقداً أنه بذلك يحافظ على هويته وثقافته وأولاده ودينه، وللأسف الشديد بمثل هذه التصرفات يتقوقع أكثر وفي النهاية قد تفلت الأمور من يده…!؟

  • هل تشعر ان هناك عنصرية؟

لا.. لكن بعض الناس تبالغ في الحديث عنها بسبب إخفاقها مثلاً في نتيجة امتحان ما أو الحصول على عمل، وترجع أسباب ذلك إلى وجود (العنصرية)، أي أنهم (البعض) يعملونها شماعة ليعلقوا عليها سبب إخفاقهم…!

  • كيف تفسر لنا انغلاق بعض الجاليات العربية.. وما المطلوب لكسر عزلتها؟

الجاليات الشرقية – بما فيها العربية- تحتاج إلى عمل أكثر وجهود منظمة لتنجح في المجتمع الجديد، وبعضهم لايزالون يعيشون في عقلية التسعينات، وعندما هاجروا بتلك الفترة أخذوا معهم حالتهم السابقة كما هي ولم يطوروها، ولو نظرت تلك الأسر الآن لظروف مجتمعاتها الأصلية لوجدتها قد تطورت فعلاً ولم تبقى كما كانت عليه من قبل.. وهنا المفارقة الغريبة والعجيبة؟!

وكمثال أوضح فأنت لا تستطيع أن تعيش كما كنت في بلدك الأصلي عام 1980 وتضع نفس النظام هنا في سويسرا عام 2021 وهذا شيء مختلف، وأعتقد أن على الإنسان أن ينفتح على مثل هذه المواضيع وبذات الوقت يستطيع أن يحافظ على ثقافته وهويته دون أي تعارض. 

وأقول لمثل هؤلاء: خلال أربعين عاماً مجتمعك الذي تركته تطور، والأولى بك أن تتطور أنت هنا، وليس لديك معايير أنك تطورت أكثر، وبالطبع هذه قلة في المجتمع الشرقي لكنها موجودة، وغالباً كما ذكرت لك تكون ردة فعل المهاجر على المجتمع الجديد، ليحافظ المغترب على هويته فيعمل حواجز مع الآخرين دون أن يدرك خطورة ذلك عليه وعلى مستقبله.

فرص جيدة لتلاقي الجاليات العربية

  • أخيراً دكتور عامر.. كيف نعمل لتعزيز دور الجاليات العربية لتندمج وتبدع أكثر؟

لدينا الحظ بتوفر جمعيات ومنظمات عديدة في مدينة بيل/ بيين وضواحيها، كتلك التي ساهمتم فيها في موقع (سويسرا والعرب) مؤخرا بإحداث (مركز الشرق الثقافي)، وكذلك الاجتماعات الثقافية والأمسيات التي تنظم للجالية بمشاركة السويسريين وهذه أشياء جيدة، إلى جانب انتشار مدارس لتعليم اللغة العربية، وعلينا مضاعفة هذه الأنشطة بالتعاون معاً.

ومن الأولويات للجالية أن يتقن الإنسان لغته الأم، وإذا كان والداه أو أحدهم عربي فمن المهم اتقان هذه اللغة، والأطفال عليهم تعلم اللغة العربية (كتابة وقراءة وتحدثاً)، وهذا مهم جداً أيضاً لتعلم لغة ثانية، لذلك فبعض الدول الأوربية تخصص في مناهجها دروساً باللغة الأم للطفل، فإذا كان الطفل في السويد يتحدث أفغاني فيأتوا له بأستاذ لغة أفغانية، وإذا كانت لغتك الأم ضعيفة فلا تستطيع أن تحاكي بها لغة ثانية..

د. عامر سلايمة في حواره مع (سويسرا والعرب) (1-2): علاقة الآباء مع الأبناء في الغربة اختلفت.. والجيل الجديد إمكانياته كبيرة وعلينا احترامها..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *