آراء وحوارات

مديرة جمعية (تسامح): نسعى لترسيخ فكرة المواطنة بين جميع الأديان

سويسري مغرر به: اعتنقت الإسلام فقط للذهاب إلى سورية!؟

(سويسرا والعرب)- قاسم البريدي

ما السبيل لأن تصبح الجالية المسلمة في بلد أوروبي جزءاً لا يتجزأ من المجتمع الذي تعيش فيه وتكتسب الاعتراف وكامل حقوق المواطنة؟ .. وكيف نقدم صورة الإسلام الوسطي في الاعلام.. وكيف نجفف منابع التطرف بكل أشكاله.. وعلى التوازي كيف نتخلص من العنصرية ضد الأجانب؟

كل هذه الأسئلة نجد أجوبتها وأكثر لدى جمعية (تسامح) في سويسرا التي نجحت في حضورها الإعلامي وفي أنشطتها الميدانية الموجهة للشباب في المدارس والجامعات وعدة مدن وبلدات وفي الحوار الديني أيضاً.

وفيما يلي نترككم في هذا الحوار المطول والمفيد مع الأستاذة نعيمة صروخ صاحبة المبادرة ومديرة جمعية تسامح في مدينة بيل – بيين..

بداية ..هل وجدتم صعوبة في تأسيس جمعيتكم؟

تأسيس الجمعيات الأهلية هنا في سويسرا سهل جداً فيكفي ثلاثة أشخاص يتفقون فيما بينهم على اسم الجمعية وأهدافها ويضعون نظاماً داخلياً لها ويسجلونها في البريد ويفتحون حساباً مالياً باسمها.

لكن نجاح الجمعية يعتمد على فن إدارتها وتخصصها وإلا ستفشل حتماً ولن تستمر، وبالنسبة لجمعية(تسامح) لم تنطلق فكرتها من فراغ إنما من خلال تجارب متعددة وغنيّة في الاندماج الإيجابي والمشاركة الثقافية والحوار، وكانت البداية عام 2016 عبر مشروع (تسامح) الذي أطلقته جمعية (جسر التواصل) ثم أصبح جمعية مستقلة باسم تسامح عام 2018.

وهل هناك تمويل كافي لنشاطاتكم؟

مشكلة العمل التطوعي أنه لا يجد دعماً مادياً ومعنوياً بسهولة، ولا تقدم المؤسسات المختلفة إلا جزءاً محدوداً للغاية، وراسلنا هذا العام -على سبيل المثال- نحو 60 مؤسسة لدعم نشاطاتنا فلم تستجب إلا مؤسستين، وغالباً ما تدعمنا الكنائس لأنها شريكنا الحقيقي في نشاطاتنا، ولحسن الحظ معظم المحاضرين هم خبراء ومختصون ويساعدونا بشكل تطوعي ومجاني.

وما أهداف فكرة تسامح التي تحمل اسم الجمعية؟

الفكرة الأساسية للجمعية تتلخص في عدة محاور أهمها:

أولاً: خلق التكافؤ الاجتماعي والمساواة بين المواطنين الذين أصولهم إسلامية مع باقي المواطنين السويسريين ضمن حقوق المواطنة، وهذا سيؤدي إلى الوقاية من العنف والتطرف الذي قد يظهر بين الناس المهمشين، وعوضاً عن ذلك يشعرون أنهم جزء من النسيج الاجتماعي، وفاعلين ومؤثرين فيه ويصبحون مدافعين عنه ويحافظون على مكتسباته.

ثانياً: خلق دعم نفسي واجتماعي للأسر المهمشة لتجد من يوجهها وينصحها ويفتح آفاقاً واسعة أمامها على مختلف الأصعدة الثقافية والفنية والابداعية وكذلك في ميدان العمل والإنتاج.

ثالثاً: دورنا كوسطاء اجتماعيين لخلق التوافق بين المجتمع السويسري الأصلي وبين القادمين الجدد من أصول مسلمة.

وانطلاقاً من هذه الأهداف، فإننا نسعى لتأسيس عمل مؤسساتي اجتماعي متكامل معترف به، وإظهاره كصورة حضارية محايدة غير منتمية سياسياً أو دينياً، ويعمل مع مختلف شرائح المجتمع كالأطفال والشباب والنساء بشكل إبداعي خلاق.

وما أبرز النشاطات التي قمتم بها؟.. وماذا عن المشاركين فيها؟

ليدنا خطة سنوية وبرامج شهرية متعددة وأذكر على سبيل المثال إقامة أسبوع على مستوى فدرالي للحوار الديني في مدينة بيل، وأقمنا أيضاً دورات (مرشدين متعددي الديانات) استمرت لمدة ستة أشهر بمشاركة 13 مشاركاً ومشاركة من مختلف الأديان.

فيلم (نعيمة) سجل نجاحاً متميزاً.. كيف ولدت فكرته؟

لحسن حظنا أن إحدى المشاركات في دوراتنا كانت مخرجة سينمائية متخصصة بالأفلام الوثائقية، وحولت القصص التي سمعتها خلال الدورة عن صورة المرأة المسلمة في سويسرا إلى فيلم أسمته (نعيمة) عام 2019 وعرض في مهرجان السينما في (سولتورن) وفي (نيون) وفي عدة مدن سويسرية وحصل على الجائزة الثقافية لكانتون برن.

بالمناسبة، يلاحظ أنكم تعتمدون على الأفلام في إيصال أفكاركم.. لماذا؟

الجمهور السويسري يهتم بجميع الفعاليات الثقافية وفي مقدمتها السينما والمسرح إضافة إلى الموسيقى والمكتبات والمتاحف، ولهذا كل عام نقدم مجموعة من الأفلام التي يحضرها مخرج الفيلم نفسه ويناقش مع الجمهور قصة الفيلم مما يخلق حواراً ثقافياً مفيداً جداً عن المهاجرين والمجتمع الجديد والحوار الديني والتسامح ونبذ التطرف والتمييز العنصري وإعطاء صورة عن الإسلام المعتدل كما هو لاكما يتم تهويله وتشويهه.

وماذا عن المسرح؟

قدمنا مسرحيتين عامي 2017-2018 وعكسنا فيهما وضع المرأة المسلمة التي تعاني أحياناً بعض حالات الاضطهاد والإسلامفوبيا ،فقط لأنها ترتدي الحجاب، وتم عرض هذه المسرحيات في (بال/بيين – برن – سولوتورن – ديلمون).

  وإحدى المسرحيات أخرجتها وقامت بأدائها فنانة سويسرية بنت قسيس، تروي فيها قصص وحوار الأجيال في المجتمع السويسري من أصول إسلامية وتباين الرؤية في مواضيع مشتركة، ويتم فيها كذلك التطرق لمعاناة المرأة المحجبة في العمل والحياة اليومية سيما عندما تتعرض للعنف.

أيضاً سيدة نعيمة كان لكم دور بارز على مستوى المدارس والجامعات.. هل يلبي ذلك طموحكم؟

نعم في المدارس نقدم أنشطة متعددة وندوات حوارية، وعلى سبيل المثال يزور التلاميذ السويسريين المراكز الإسلامية ويطرحون الأسئلة التي يريدونها حول الإسلام على القائمين على هذه المراكز، لتوضيح الحقائق عن الدين الإسلامي كدين وسطي منفتح على كل الأديان والعقائد.

وفي الجامعات ساهمنا كمتخصصين وخبراء في عدة أبحاث ودراسات عن مواضيع الوقاية من الإرهاب ووسطية الإسلام في جامعات لوزان ولوتسرن وبال وزيورخ.

ونحن نفتخر بعملنا العلمي والميداني الملموس حتى أن مركز الدراسات الأمنية السويسري في زيورخ أدرج عام 2017 جمعية تسامح كنموذج للعمل الميداني الناجح للوقاية من الإرهاب.

أعتقد أن المقصود هو دوركم المهم جداً للوقاية من الإرهاب من خلال التوجه الى الشباب من أصول إسلامية؟

هذا صحيح نحن نركز على الشباب خصوصاً في سن المراهقة والدراسة، ونساعدهم على متابعة دراستهم وإيجاد فرص تدريب وعمل لهم، ونساعد كذلك على تنمية مواهبهم وإبراز دورهم في المجتمع، على سبيل المثال وبالتعاون مع متحف بيل ومع فنانين كبار مثل (توماس هيرشن) أقمنا دورات تصوير فوتوغرافي وسينمائي للأطفال والشباب من أبناء المهاجرين، وعرضت أعمالهم للجمهور، وهذا يجعلهم معروفين ويعطيهم حافزاً نفسياً ليكونوا مؤثرين ومندمجين بمجتمعهم ويحبونه لا مهمشين وبعيدين عنه. 

ماذا عن الجهاديين السويسريين.. من هم؟

عددهم نحو 90 شاباً وذهبوا إلى سورية والعراق، وأكدت الشرطة الفدرالية انهم ضحايا شبكات التطرف، وتم التغرير بهم عندما كانوا في حالات فشل دراسي وانعزال اجتماعي، وأغلبهم من شباب الجيل الثاني وبعضهم سويسرون، وذكر فلوران بيلمان الباحث في الأمن الفدرالي أن أحدهم قال: (أسلمت حتى أحصل على تذكرة ذهاب مضمونة إلى سورية) وذلك لإشباع رغبته في ممارسة العنف.

وما الأسباب التي تدفعهم إلى هذا الطريق الخاطئ؟

الإحساس بعدم الانتماء للمجتمع الذين يعيشون فيه، وعدم تحديد أهداف وطموحات لحياتهم والتهميش الاجتماعي، إضافة إلى التأطير الديني الخاطئ الذي يصل إلى درجة الجهل المطبق، وهذه فقط بعض العوامل لأن الموضوع معقد ومتشعب وله أبعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية، وكل ذلك بالنتيجة يؤدي للحقد على المجتمع والانتقام منه.

وما الحل لمنع كل أشكال التطرف عند مثل هؤلاء الشباب؟

الحل، هو ما تهدف إليه جمعيتنا، وهو إدماجهم بالمجتمع ليشعروا بقيمتهم كفاعلين مهمين معترف بهم، وهذا يتطلب الاهتمام بالشباب، لاسيما عندما يفشلون دراسياً أو اجتماعياً، من خلال خلق البدائل في التدريب المهني وفتح الأبواب أمامهم في جميع مجالات الحياة، لاسيما الفنون والثقافة والرياضة والابداع.

من المبادرات اللافتة لـ (تسامح) الإفطار الجماعي في رمضان.. حدثينا عن ذلك؟

على مدار السنتين الماضيتين 2018-2019 أقيمت مبادرة الإفطار الجماعي المفتوحة لجميع السكان بمشاركة الكنائس والمساجد في مدينة بيل، وللأسف هذا العام لم ننفذها بسبب كورونا، وغاية الإفطار الجماعي تعريف المجتمع السويسري بطقوس المجتمع المسلم وكرمه للمحتاجين، وقد شارك بالإفطار مئات المواطنين ومن جميع الأديان على نفس المائدة، وهذا يخلق حالة انسجام ممتازة وناجحة، ويترك أثراً طيباً في هذه المدينة المتعددة الثقافات والجنسيات.

دعيني أقول بصراحة أن هناك خطابات خاطئة في منابر بعض المساجد تستغلها الأحزاب المتطرفة وبعض وسائل الاعلام.. ماذا فعلتم لتحسين صورة هذه المساجد؟ 

نعم أنا أشاطرك الرأي ونحن نريد في الجمعية أن تفتح المساجد على غرار الكنائس أمام الجميع لتكون منابر ثقافية وحوار وتآخي بين الأديان والمجتمع.

وأقول بكل وضوح، إن قدرات اغلب المراكز الإسلامية بوضعها الراهن عاجزة وغير مؤهلة لفتح المساجد أمام باقي أفراد المجتمع على غرار ما تفعله الكنائس، وهذا يحتاج إلى تنظيم وكادر مؤهل يختص في الجامعات السويسرية وهذا ما نطالب به ليكون الدين الإسلامي معترف به رسمياً كباقي الأديان.

ولابد للدولة السويسرية أن تهتم بموضوع إعداد الأئمة للمساجد والمرشدين والمختصين بالدين الإسلامي وهناك كليات في علوم الأديان في عدة جامعات سويسرية يمكنها القيان بمثل هذه المهمة، ونحن نتطلع إلى ذلك اليوم الذي تستطيع فيه المساجد القيام بدور مهم في حوار الأديان، وتنظيم دورات وأيام مفتوحة في المواضيع المشتركة، وهذا كله يصب في مصلحة المواطن السويسري المسلم وفعاليته في مجتمعنا السويسري..

دعينا نتحدث أكثر عن الجالية المسلمة.. وما أولوياتها؟

كما تعلم سويسرا بلد صغير عدد سكانه 8.6 مليون نسمة وعدد المسلمين فيه نحو 420 ألف فقط أي بنسبة 5% وعدد من يعتنق الإسلام يزداد عاماً بعد عام، والقضية الأساسية بالنسبة لنا كجالية هي الاعتراف بالدين الإسلامي كدين رسمي في الدولة، وقد اعترفت عدة كانتونات به وبعضها الآخر لم يعترف حتى الآن مثل كانتون برن.

والاعتراف السياسي مهم من قبل الأحزاب الكبرى أيضاً، لدعم منظمات المجتمع المدني للجالية المسلمة وتنفيذ مشاريعها التنموية المؤسساتية، ومن بينها جمعيتنا لأنها لاتزال تعتمد على العمل التطوعي الذي لا يكفي للقيام بنشاطات واسعة وطموحة.   

وهل المشكلة فقط بالحجاب.. أم لها بعد آخر؟

أبداً ليست المشكلة بالحجاب القضية أعمق بكثير حيث التمييز على الاسم وعلى اللون كالأسمر أو الأسود، فلا يكفي أنك تتكلم لغة البلد أو تتعلم بمدارسها وجامعاتها لتكون مندمجاً فيها، ولهذا نحن في جمعية (تسامح) نعمل مع الجمعيات السويسرية لمكافحة التمييز والاضطهاد من قبل بعض العنصريين رغم نسبتهم القليلة جداً لكنهم موجودين.

وعندما نسعى كجاليات أجنبية للاندماج بمجتمعنا الجديد كمواطنين على قدم المساواة بالحقوق والواجبات لا يكفي ان نتعلم بلغة البلد.. بل أيضاً نحافظ على هويتنا ونثبت وجودنا بالعمل والابداع، فعندما ألبس حجابي أو أعتز به أو لا ألبسه فهذه ليست مشكلة أبداً لأنها حرية شخصية أسوة بعشرات الممارسات الشخصية لأفراد المجتمع باختيار لبسهم والرسم على أجسادهم مثلاً، وعندما نعمل وننتج فهذا يعتمد على قدراتنا العلمية ومؤهلاتنا لا على اشكالنا ولبسنا.

أخيراً.. ماذا عن طموحكم كجمعية في المستقبل؟

نتمنى أن يتوسع عملنا ليشمل كل الكانتونات والمدن السويسرية لتتحول الجمعية ونشاطها إلى مؤسسات للعمل الاجتماعي تقوم بدورها الارشادي النفسي والاجتماعي لفتح الآفاق أمام المواطن المسلم السويسري للتكافؤ مع باقي المواطنين، لأننا لا نريد أن نكون مهمشين خصوصاً الشباب منهم.

 ونحن فخورين بنشاطاتنا كجمعية (تسامح)لأنها حملت رؤية جديدة لمفهوم المواطنة كأسلوب فعال ومضمون لمواجهة الفكر المتشدد. 

بطاقة نعيمة صروخ

  • نعيمة صروخ اسم معروف في الاعلام والمجتمع السويسري.. مغربية الأصل تحمل إجازة في الحقوق ومقيمة في سويسرا منذ 21 سنة مع زوجها التونسي أستاذ فلسفة ومع أولادها الأربعة.
  • تعمل حالياً مديرة لـ (تسامح) إلى جانب عملها كمترجمة متخصصة في منظمة (كاريتاس) وتابعت وتخصصت في عدة دورات وأنشطة اجتماعية كتأهيل الكبار و(التنمية البشرية).
  • تخصصت في مشاريع الاندماج والحوار مع الأديان، وعملت 15 سنة كممثلة لقطاع المرأة في منظمة (الإغاثة الإسلامية) غير الحكومية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف.
  • اشتغلت في مركز مساعدة اللاجئين(مولتيموندو)، وفي مشروع لتحسيس المهاجرين بالمشاركة السياسية على مستوى كانتونات(برن- فريبورغ- نيوشاتل) ضمن منتدى ادماج المهاجرين والمهاجرات السويسري(Fimm  )،إضافة للعمل في مشروع مناهضة (ختان الإناث) ومشروع طاولة حوار المرأة ((FemmTisch وغير ذلك الكثير.

أعضاء مجلس إدارة جمعية تسامح:

  1. نعيمة صروخ مديرة الجمعية.
  2. ليليان غويّر رئيسة الجمعية وهي قسيسة.
  3. تونجاي قبطان نائب رئيس الجمعية وهو مساعد اجتماعي.
  4. إيمينة شاكر مسؤولة مالية، وهي مرشحة الحزب الاشتراكي لبرلمان برن.
  5. رودي البونيكو المفتش المالي، متخصص في علم الاجتماع.

نوعية الاستشارات في الجمعية خلال العام:

8% حصلوا على معلومات عامة. 12% وسطاء اجتماعيون.

8% استشارات في موضوع العنصرية والإسلامفوبيا. 38% الاندماج. 5% ثقافة ودين.

11% مساعدات اجتماعية ونفسية ومادية. 18% استشارات بمكافحة التطرف لأبحاث ميدانية متخصصة.

أرقام عام 2019 

نحو2000 شخص استفادوا من أنشطتها، ونحو3000 شخص زاروا جناح الجمعية في معرض روبير فالزير الذي استمر لثلاثة أشهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *