من المسؤول عن ضعف اندماج الأجانب في سويسرا.. الأسر المهاجرة أم الحكومة؟
د. اميمة الطاهر: الالتزام بحقوق المهاجرين يحافظ على مصالح الدولة السويسرية.
· (سويسرا والعرب) – قاسم البريدي
ما واقع الأسر المهاجرة في سويسرا.. هل هي مندمجة في مجتمعها الجديد وتحترم القوانين وبذات الوقت تحافظ على ثقافتها الأصلية.. أم أنها تعيش أزمات نفسية واجتماعية وتعاني من الاضطهاد وعدم الاحترام؟
هذه الأسئلة وغيرها كانت محور بحث علمي مهم تمت مناقشته مؤخراً في قسم الدراسات باللغة العربية في الأكاديمية الملكية السويسرية للاقتصاد والتكنولوجيا بزيورخ..
(سويسرا والعرب) تابعت هذا البحث واطلعت على أهم نتائجه وأجرت هذا اللقاء مع الباحثة أميمة الطاهر..
استبيان ميداني
س1- في البدء عرفينا على حضرتك وعلى عنوان البحث؟
انا مغتربة في سويسرا ولي أنشطة متعددة في مجال الاندماج، وأتولى بشكل خاص رئاسة جمعية النساء المهاجرات منذ 12 عاماً وهذا ما ساعدني على فهم واقع اندماج المهاجرين بشكل عام والمهاجرات بشكل خاص ولي ملاحظات عديدة خصوصاً في الجوانب القانونية والاجتماعية نظراً لتخصصي العلمي والأكاديمي كحقوقية، وهوما شجعني كثيراً لإعداد هذا البحث للحصول على شهادة دكتوراه في العلاقات الدولية.
أما عنوان البحث فهو اندماج الأسر المهاجرة في سويسرا بين احترام القوانين والمحافظة على الثقافة الأصلية بإشراف الدكتور أسعد نصيف سعد عطية عميد الدراسات العليا في الأكاديمية الملكية السويسرية للاقتصاد بزيورخ.
س 2- ما أسلوب البحث ومحاوره؟
اعتمدت في بحثي عل طريقة الاستبيان الميداني لجمع البيانات والمعلومات المتعلقة بموضوع البحث واخترت عينة من 120 مشاركاً ومشاركة من مختلف جنسيات المهاجرين العرب كدول المغرب العربي ومصر واليمن والسودان وسوريا ولبنان إضافة لجنسيات أخرى مثل ألبانيا وتركيا وسويسرا.
وتضمن البحث ثلاثة محاور يتعلق المحوران الأول والثاني بمفهوم الهجرة وأبعادها وأسبابها ودوافعها وعلاقتها بحقوق الانسان والمحور الأخير تركز على الاندماج ما بين احترام القانون السويسري والثقافة الأصلية للمهاجر.
تحديات الآباء والأبناء
س 3- ما هدف هذا البحث الميداني؟
تهدف الدراسة للإجابة على أسئلة هامة تشمل الجوانب النفسية التي تعاني منها الأسرة المهاجرة فالأب قد يفقد دوره الأدبي داخل السرة بسبب القوانين والمفاهيم السائدة في المجتمع الجديد والأم تجد نفسها أمام عدة تحديات والأبناء قد يعانون من اضطراب الشخصية نتيجة القيم التي تغرس في المنزل والثقافة التي يعيشونها في المدرسة والشارع السويسري.
س 4- برأيك دكتورة أميمة ما أهمية هذه الدراسة المتخصصة والمفيدة؟
باعتقادي تأتي أهمية الدراسة في تحليل العلاقة الترابطية بين الاندماج الإيجابي للمهاجرين في المجتمع السويسري والمحافظة على الثقافة الأصلية من جهة، ودراسة الواقع الراهن من جهة ثانية بما فيه من إشكالات بين الطرفين نظراً للأحكام المسبقة لدى كل طرف عن الآخر وعدم الفهم الكافي الذي يساعد على التعامل بصورة صحيحة بما يؤدي أحياناً على فقدان الثقة التي يتولد عنها عدم احترام عادات وثقافات كل من الطرفين للآخر.
ولهذا فالحاجة ملحة لدراسة علمية جادة ورصينة ومحكمة وحيادية لتتمكن من إيجاد الحلول العلمية والعملية، وصولاً لتقديم مقترحات وتوصيات لدوائر الهجرة والجهات المهتمة والمعنية.
المهاجرين أم الدولة؟
س 5 – الآن دعينا نعرف القراء على نتائج هذه الدراسة الميدانية؟
الدراسة الميدانية تعتمد على استبيان مؤلف من عشرة أسئلة تم طرحها على عينة مؤلفة من 120 مشاركاً ومشاركة من مختلف الجنسيات وجاءت النتائج كما يلي..
رداً على السؤال الأول: هل عملية الاندماج تتعلق بالمهاجرين أم بدولة الهجرة؟ أظهرت نتائج الاستبيان أن الطرفين يتحملان المسؤولية بالتساوي تقريباً حيث يعتقد 47% من المشاركين أن أساس عملية الاندماج تتوقف على ثقافة المهاجرين واحترامهم لقانون الدولة مقابل 49% رأوا أن العبرة بمدى اتخاذ دولة الهجرة إجراءات لإدماج المهاجرين.
وحول مدى استجابة سويسرا لتقبل المهاجرين من دول مختلفة، أشارت غالبية أفراد العينة 46% على أن هناك استجابة لتقبل بعض الثقافات التي تتماشى معها، بينما رأى البعض 30% أن الأمر نسبي ويرتبط بالأمن والاستقرار في سويسرا، ورأى ربع أفراد العينة أنه لا مانع لتقبل كل المهاجرين.
أما السؤال الثالث وهو: هل هناك دور للدولة في وضع الأسس الصحيحة لإدماج المهاجرين؟ اشارت غالبية أفراد العينة 58% إلى أن دور الدولة يبدأ من تحقيق التعايش والمساواة بين المواطنين والمهاجرين بينما يرى باقي أفراد العينة ضرورة وضع قواعد تشريعية وتنفيذية لاندماج المهاجرين.
ثقافة المهاجر
س 6- ركزت النتائج بشكل خاص على ثقافة المهاجرين.. فما أبرز ما جاء فيها؟
نعم هناك جانب مهم من الدراسة ركز على ثقافة المهاجرين، فرداً على سؤال: هل الإدماج في المجتمع السويسري يرتبط بجنسية وثقافة المهاجر؟ أجاب نحو نصف المشاركين بنعم (44%) بينما 20% قالوا: لا و36% قالوا: إن الأمر نسبي.
أيضاً طرحنا السؤال التالي على أفراد العينة: هل تتعامل سويسرا مع المهاجرين ذو الثقافات المتشددة وتعيد اندماجهم في المجتمع؟ وأكدت أغلبية الإجابات (64%) أن هناك محاولة إعادة التأهيل والإصلاح لهذه الفئة من المهاجرين، مقابل 20% يرون ضرورة طردهم من البلاد، ونحو 16% يعتقدون أن الأمر يتوقف على ظروف كل مهاجر ولا يجوز التعميم.
أما السؤال السابع وهو: هل هناك دور للمسؤولين من أجل تحقيق التوازن بين احترام الثقافة الأصلية للمهاجر وبين احترام القوانين السويسرية؟ فأكدت غالبية أفراد العينة (53%) أن هناك دور مهم للمسؤولين يتمثل في تنظيم دورات لتحقيق هذا الهدف المنشود، بينما يعتقد 41% أن المطلوب هو عدالة تطبيق القانون السويسري مع مراعاة ظروف المهاجر.
ومن جانب آخر، فإن سويسرا تحافظ على ثقافتها، ورداً على السؤال :هل تتخذ سويسرا إجراءات احتياطية لحماية مجتمعها من دخول ثقافات جديدة تؤثر سلباً عليها ؟ أجابت الغالبية (53%) نعم هناك إجراءات تتمثل في التأكيد على الثقافة الأصلية للمجتمع السويسري، بينما قال البعض (36%) أن سويسرا تتخذ إجراءات استباقية في صورة منع الدخول أو الترحيل.
أين موقع سويسرا عالمياً؟
س 7- ماذا عن نتائج الدراسة بشأن قانون الهجرة المثير للجدل؟
بالفعل وحول السؤال التاسع: كيف تقيّم دور قانون الهجرة في سويسرا من حيث أثره على اندماج الثقافات الحديثة في سويسرا؟ ترى الأغلبية الساحقة (69%) أن القانون دوره لا يلبي الحاجة ويحتاج إلى تعديل، بينما يرى ربع المشاركين بالاستبيان أن القانون الحالي جيد وله دور إيجابي.
أما مدى التزام سويسرا بالقوانين الدولية لحقوق الإنسان في شأن حماية المهاجرين، فاشارت الأغلبية إلى أن هناك أمور لم تحققها الدولة السويسرية، بينما يرى 28% أن هناك التزام تام ويعتقد البقية 18% أن الأمر يتوقف على إقامة التوازن بين أمن سويسرا وبين دعم حقوق المهاجر.
ورداً على السؤال العاشر والأخير: هل تعتبر سويسرا في مقدمة الدول الأوروبية التي تحقق التوازن بين حماية المهاجرين بالتوازي مع حماية قوانينها؟ أجابت الأغلبية العظمى (56%) أنه توجد ملاحظات، في حين أجاب بنعم 31% من المشاركين في الاستبيان، مقابل 13% ترى ضرورة تغليب حماية القانون السويسري على حماية المهاجر.
سبع توصيات
س 8- أخيراً.. حبذا لو نتوقف عن أبرز توصيات الدراسة؟
في الحقيقة الدراسة توصلت إلى توصيات مهمة وعديدة وأرسلنا نسخة منها إلى الجهات المتخصصة والمهتمة ونتمنى أن تنفذ لأنها مبنية على تجارب ميدانية وأهمها ما يلي:
- ضرورة تنظيم دورات تدريبية من أجل تدعيم فكر الاندماج لدى المهاجرين الجدد وتعليمهم قيم المجتمع السويسري.
- بناء وتدريب كوادر بشرية لتطوير وإدارة فكر الاندماج في المجتمع وصولاً للتعايش الإيجابي للمهاجر والمواطن السويسري.
- ينبغي على الدول الأوربية عامة وسويسرا خاصة قبول التقاليد الثقافية للمهاجرين وحماية حقوقهم المدنية والسياسية، وفي المقابل يجب على المهاجرين وأحفادهم التعرف على ثقافة بلدهم الجديد واحترام القوانين والأنظمة المعمول بها
- العمل على نشر وعي وثقافة الاندماج بين أبناء المجتمعات العربية بما يساهم في نهوض المجتمع السويسري فكرياً وإزالة الفوارق بين الثقافات.
- تعزيز روح الالتزام بالمعاهدات والاتفاقيات التي تنظم مسألة حقوق المهاجرين بما يحافظ على حقوق ومصالح الدولة السويسرية وحقوق المهاجر.
- رصد ومتابعة التطورات والمستجدات المتعلقة بالاندماج وإزالة العقبات وتعزيز الإيجابيات والتخلص من السلبيات.
- انشاء الوكالة السويسرية للهجرة والاندماج على غرار الوضع في فرنسا تتبع الحكومة وتطبق توجهاتها في مجال الهجرة واستقبال الأجانب الراغبين في الإقامة أو طالبي اللجوء.