آراء وحوارات

محمد مجاهد لـ (سويسرا والعرب)(1-2): مدرسة (يلا عربي) اعتمدتها الخارجية السويسرية وتدرس الدبلوماسيين

·       (سويسرا والعرب) – حوار قاسم البريدي:

يسعدنا أن نستضيف اليوم أحد سفراء الثقافة العربية الأصيلة، الذي لم يتوقف عن تقديم صورة مشرقة للسويسريين عن الموروث العربي الحضاري من لغة وثقافة وفنون.

إنه الأستاذ محمد مجاهد الذي اختص بتدريس الأجانب، وأسس أول مدرسة لتعليم العربية للدبلوماسيين والموظفين الحكوميين داخل سويسرا وخارجها …ونترككم مع هذا الحوار لنتعرف على التجربة المتميزة.

س1 – في البدء هل تعرف القراء على شخصيتك بكلمات قليلة؟

هو بكل تأكيد ليس سؤالاً سهلاً، ولكن سأحاول: أنا محمد مجاهد عربي مصري قاهري.. وأهلاوي، وهنا ربما أجد تلخيصاً يشبهني بما يقوله الفنان المصري المبدع صلاح چاهين في إحدى رباعياته:

أنا شاب لكن عمري ولا ألف عام..

وحيد ولكن بين ضلوعي زحام..

خايف.. ولكن خوفي مني أنا..

أخرس.. لكن قلبي مليان كلام..

س2- حدثنا أولاً عن تجربتك المميزة في مدرسة تعلم العربية (يلا عربي).. كيف ولدت فكرتها ثم توسعت؟ وهل أنت راض عنها؟

بدأت دراستي طفلاً في مدرسة لعلوم القرآن في السعودية حيث عمل والدايّا رحمهمها الله، مما كون عندي أساساً قوياً وحباً جماً لتلك اللغة الغنية الموسيقية الجميلة.

 وتجربتي مع تدريسها هنا في سويسرا وحول العالم، ألخصها في ثلاث مراحل. والبداية عام 2002 عندما بدأت زوجتي السويسرية في دراسة الأديان المقارنة في جامعة برن، وكذلك في معهد للدراسات الإسلامية، وبالتالي بدأت في مساعدة زوجتي وزملائها في الجامعة في مواد العربية التي يدرسونها، وكان ذلك على سبيل الهواية.

إلا أن أصدقائي المصريين والعرب بشكل عام المقيمين وأسرهم في برن، طلبوا مني وبإلحاح تدريس أطفالهم اللغة العربية وتحفيظهم ما تيسر من القرآن، بعدما علموا بمشاركاتي بتفوق في مسابقات تجويد القرآن في الأزهر الشريف في مطلع الثمانينات، فكان في إصرارهم دافعاً قوياً لبدء فكرة احتراف التدريس.. فكانت هذه الخطوة الثانية.

أما الخطوة الثالثة فهي ملاحظتي أحد طباع الشعب السويسري المتمثلة في حبهم الجم للتعليم وفي كل المجالات دون توقف بما فيها الثقافة العربية.

ولهذا كله قررت أن أبدأ مشوار احتراف التدريس، فتفرغت أولاً للحصول على دبلوم تعليم اللغة العربية الفصحى والعامية المصرية لغير الناطقين بها في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ثم بحمد الله افتتحت مدرسة (يلا عربي) Yalla Araby في المدينة القديمة في برن عام ٢٠١٢، واعتمدت رسمياً من قبل وزارة الخارجية السويسرية.

أول فصل دراسي داخل مبنى البرلمان والحكومة

س 3- وهل عملت بالتدريس في باقي الوزارات أيضاً؟

 نعم.. لقد تشرفت بالعمل مع عدة مؤسسات ومعاهد حكومية، إضافة لسفراء ودبلوماسيي وموظفي وزارة الخارجية، ودرست (أون لاين) أيضاً السفارات السويسرية في واشنطن ولندن والقاهرة وتونس ومسقط وغيرهم.

ونعمل في تعليم موظفي وزارات أخرى كالدفاع والتعليم والبحث العلمي والابتكار، العدل والهجرة وغيرها.. وأنا في غاية الامتنان لفضل الله، وكنت في سن مبكرة مغرماً باللغة العربية، لكن لم يخطر ببالي أن أعمل في تدريسها، لأكون ممثلاً للغة والثقافة العربية في دولة متقدمة كسويسرا، وكذلك للأجانب عموماً من خلال التدريس عن بعد.

س4 – تدريسك العربية للدبلوماسيين والسياسيين.. هل هو بالصدفة أم برغبة.. وماذا يقول طلابكم؟

حقيقة الأمر أن العمل مع فئات كالسفراء وموظفي الحكومة كان مخططاً له بشكل أو بآخر، أما البداية فجاءت عن طريق صديقة سويسرية تعمل في وزارة الخارجية، وقد عاشت جزءً من طفولتها مع والديها في اليمن، ودرست أيضاً العربية في الجامعة، وانتظمت في دورات لغة عربية هنا في برن، لكنها لم تكن راضية عن اسلوب التدريس، فطلبت مني أن أقوم بتدريسها وفعلت ذلك.

وفي ذات الفترة كان السفير السويسري الجديد إلى مصر يستعد لاستلام مهامه بعد ستة شهور تقريباً، وكانت ضمن استعداداته تعلمه مع زوجته اللهجة المصرية لإنجاح مهمته في القاهرة وكان أيضاً لديه نفس التحفظات على مركز لتعليم اللغات، فنصحته صديقتنا الاستعانة بي لتلك المهمة.

وهكذا كونت أول فصل دراسي داخل مبنى الرئاسة والبرلمان السويسري (البوندس هاوس) في عام ٢٠١٣، ومنذ ذلك الحين أصبحت مدرستنا هي المعتمدة رسمياً لتدريس العربية للسفراء والموظفين الحكوميين.

أمّا عن سؤالك ماذا يقول طلّابنا، فكأي مؤسسة لدينا على صفحة الأنترنت لمدرستنا (يلا عربي) تعليقات من قمنا بتدريسهم هنا وحول العالم، وقد جاءت أكثر مما توقعناه في المدح والثناء والحمد لله، وهنا رابط على صفحتنا للتعليقات مترجمة باللغات الإنجليزية والألمانية والعربية.

بين الفصحى.. واللهجة المصرية

س 5- تتبعون أساليب تعلم الفصحى وتعلم اللهجة المصرية.. أيهما أفضل وبماذا تنصح الأجانب؟

يعود الاختيار للدارس، ونرى أن العربية الفصحى تناسب أكثر الأكاديميين ومحبي القراءة، وكذلك المتعاملين مع العالم العربي، ولها مريديها الذين لا يرغبون باستبدالها باي من اللهجات العامية.

 أما العامية المصرية فتصلح أكثر لعشاق السفر والتعامل المباشر من الناس، وهي معروفة لدى معظم سكان الوطن العربي لانتشارها الواسع عبر الأغنيات والأفلام وغيرها من الأعمال الفنية في بدايات منتصف القرن الماضي، كما أن لمصر كبلد عشاق كثر، يحبون ويرغبون في تعلم لهجتها.

س6 – طبقتم التعليم عن بعد في زمن الكورونا.. هل هذه التجربة مفيدة برأيك؟

أولاً نتمنى السلامة للجميع، ونعم بكل تأكيد، أجبرتنا ظروف الكورونا على تحويل جميع دروسنا إلى الأون لاين، وهو القسم الموجود فعلاً قبل الجائحة إذ نقدم دروسنا في سفارات وبلدان خارج سويسرا.

 ولكن كان التدريس وجهاً لوجه في برن هو النشاط الأهم، وأما الآن فنعمل عن بعد بشكل كامل، وبطبيعة الأمور للموضوع سلبياته وإيجابياته.. فمن السلبيات أن المجهود المبذول في التدريس عن بعد أقول ثلاثة أضعاف المجهود المبذول في الدروس المباشرة.

 كما أنه يعتمد على عوامل يصعب السيطرة عليها مثل قوة وسرعة الإنترنت سواءً في بلد المدرس أو في بلد الدارس، فمثلاً نواجه صعوبات كبيرة في تدريس بعثات الأمم المتحدة ومنظمات عالمية كأطباء بلا حدود العاملة في بلاد مثل الكونغو وأفريقيا الوسطى وتشاد لضعف شبكة الإنترنت هناك.

وأما عن إيجابيات التدريس عن بعد، فأهمها سهولة حضور الدرس وعدم الاعتذار كما يحدث أحياناً في التدريس المباشر، فنحن نعمل مع فئات عمرية متقدمة، وهم موظفون في مؤسسات ولديهم التزامات حياتية عديدة، فمثل تلك الاعذار مقبول جداً لدينا، ونحاول التعامل مع الظروف المختلفة لدارسينا بما نستطيع من مرونة في إعادة جدولة الدروس.

من جانب آخر، لا أستطيع التأكيد أن التجربة مفيدة أم لا، ولكن على الاقل تلك الظروف الصعبة أجبرت الانسان على ابتكار ادوات جديدة، وشاهدنا ذلك في جميع المجالات وليس في التدريس فقط.

العربية ليست صعبة ..!؟

س7 – الكثيرون يقولون عن اللغة العربية بأنها صعبة للغاية.. فماذا ترد عليهم؟

يا إلهي.. كم سمعت هذا التعليق، وكم أختلف معه! ودائماً أقول.. اللغة العربية ليست لغة صعبة ولكنها لغة كبيرة.. ولتفسير ذلك دعني أسأل سؤالاً.. من أين تأتي الصعوبة في أي لغة؟ في رأيي الصعوبة تأتي من عدم المنطقية، ولنضرب مثلاً باللغة الفرنسية، فكمية الحروف التي لا تنطق في الكلمة الواحدة كبير، وأرى أن ذلك صعب، أما العربية فلا يوجد فيها ذلك، كما في الألمانية أيضاً.

 أما القواعد في العربية فهي أقرب للرياضيات، فيها من المنطق الكثير، وعلى صعيد الجمال والمتعة فالعربية تتربع على عرش لغات العالم في هذا السياق، فهي لغة الشعر والأدب، لما لها من مفردات ومرادفات وبدائل كثيرة تتيح للشاعر والأديب إختيار نغم الكلمات التي يريده.

 وعلى مستوى التعليم، فطريقة الاشتقاق في العربية رائعة، ولا توجد في اللغات اللاتينية تحديداً، فمثلاً في العربية كل الأسماء والمعاني والتوصيفات التي تدور حول الكتابة مثلاً تشترك جميعها في أصل الفعل، فكتاب ومكتبة وكاتب ومكتوب ومكتب يمكن التعرف في جميعها على أصل الفعل كتب، وقس على ذلك..

أما في الإنجليزية مثلاً فعل الكتابة write بينما معنى كتاب book لا علاقة لأحداهما بالأخرى، ومن هنا تأتي منطقية اللغة العربية.. وبالمناسبة أنا لا أقول إنه من السهل على مواطن أوروبي أن يتقن العربية سريعاً، ولكن حال تعلمه حروف الهجاء والتشكيل وطريقة الكتابة والنطق، فقد عبر بذلك أصعب المراحل، ويكون تطوره وتقدمه في إتقان اللغة ممتعاً وبسيطاً.

تتابعون في الجزء الثاني من الحوار: اسرار العلاقات السويسرية- العربية *(أرابسك) أول برنامج باللغة العربية في راديو برن الثقافي *هل ينصح بزيارة سويسرا والإقامة فيها ..؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *