ثقافة ومجتمع

شاي الطوارق.. يسحر قلوب السويسريين…!؟

 (سويسرا والعرب) – قاسم البريدي:

على خطى خاله الذي عاش في سويسرا قبل أكثر من 40 سنة، أعاد الشاب الجزائري عبد الله عبدولي إحياء حفلات شاي الطوارق المميزة وبنفس ابريق الشاي والأدوات التي كان يستخدمها، وذلك في أمسية اليوم المفتوح التي نظمتها مؤخراً جمعية (دار مدينة بيل/ بيين) وحضرها عشرات من سكان المدينة ذات اللغتين الفرنسية والألمانية، والتي يبلغ سكانها نحو 60 ألف وتضم نحو 140 جنسية..

(سويسرا والعرب) حضرت هذه الأمسية وخرجت بالتقرير التالي..

Nora Scherrer

سفر إلى صحراء إفريقيا…!

نورا شيرير عضو لجنة دار بيل/بيين قالت لـ (سويسرا والعرب): أنها حفلة رائعة اكتشفنا فيها عادات وتقاليد الشاي عن قبائل الطوارق من جهة والموسيقى الفلكلورية من جهة ثانية وهذان الشيئان الجميلان، يضاف إليهما حضور الشاب عبد الله وهو يرتدي نفس اللباس التقليدي للطوارق ويستخدم نفس الأدوات الحرفية لطقوس شرب الشاي، كل ذلك جعلنا نسافر إلى قلب صحراء إفريقيا ونحن مازلنا في نفس المكان.

أما الشيء الأخر فهو أننا في جمعية (دار بيل / بيين) شعرنا بالسعادة لتنظيم هذه الحفلة، حيث استقبلنا أشخاص ولأول مرة إلى هذا البناء، وحضروا خصيصاً ليعيشوا هذه الأمسية ويستمتعوا بقصص عن حياة وتقاليد شعوب افريقيا.

Ines Buehler

عادات ممتعة.. وشاي لن أنساه…!

وعبرت السيدة إنيس بولير عن دهشتها من الأمسية وقالت لـ (سويسرا والعرب): تشرفت بالتعرف لأول مرة على تقاليد الطوارق، وأبهرني الشاب الذي يحضر الشاي، فهو رغم الحضور الكثيف يتذكر كأس كل واحد من الحضور، ويعيده لصاحبه في المرات الثلاثة مرة.

وأضافت: الكأس الأول شعرت بأن طعمه قوي جداً بالنسبة لي كسويسرية، والثاني كان ألطف مع السكر ويعطي ذوقاً حلواً، والثالث بالنسبة لي كان الأفضل والمناسب، وحقا إنها تجربة ممتعة لن أنساها.

Abdallah Abdouali

سويسرا منفتحة على ثقافات الشعوب

أما الشاب عبد الله عبدولي الذي قام بتحضير حفلة الشاي وهو يرتدي لباس الطوارق التقليدي فتحدث لـ (سويسرا والعرب) قائلاً: أشكر جميع الحضور لتفاعلهم معي وكانوا مهتمين بطريقة تحضير الشاي بكل تفاصيلها ومعانيها، وهذا دليل انفتاح سويسرا على عادات وتقاليد وثقافة الشعوب وتقبلها بحماس، وهذا كذلك ما شجعني وسمح لي أن اشرح وأعطي نظرة على تقاليد الطوارق، وهم قبائل إفريقية تعيش في الصحراء الإفريقية في خمس دول هي: الجزائر وليبيا ومالي والنيجر وبروكينا فاسو.

وعن الأدوات التقليدية الخاصة بشاي الطوارق التي أحضرها عبد الله، يقول: كلها ورثتها عن خالي الذي أحضرها معه إلى سويسرا أواخر الستينات، ومن بينها هذا الصندوق المصنوع يدوياً من الخزف والموزاييك، وعندما توفي عام 2002 أخذ ابن خالي الصحفي السويسري المعروف محمد حمداوي كل هذ المقتنيات من الأشياء الفلكلورية الجميلة، وشاءت الأقدار أن أستعمل نفس الأغراض التي كان خالي يستخدمها في سهراته مع أصدقائه في سويسرا.

الكأس يعاد ثلاث مرات.. وحكم من الحياة

وعن أسلوب تقديم الشاي يقول عبد الله عبدولي: يحضر شاي الطوارق من النعناع وأوراق الشاي الأخضر والسكر، ويقدم على ثلاث مرات للضيوف، وبنفس الكأس الصغير المميز.. وفي المرحلة الأولى يكون فيها الطعم قوياً جداً، وفي المرة الثانية يصبح طعم الشاي عذباً وخفيفاً حيث يضاف للشاي النعناع مع السكر، وفي المرة الثالثة يصبح الشاي خفيفاً جداً يطغى طعم النعناع على طعم الشاي.

 وأوضح أنه في كل مرة تختلف النكهة قليلاً، وهذا له معاني ودلالات كثيرة في التقاليد الطوارق، ويقول المثل عندنا: الكأس الأول له طعم بدون سكر لأن الحياة صعبة ومرة، والكأس الثاني عذب مثل الحب، وأما الكأس الثالث والغريب هو حلو مثل الموت…؟!

ونسأله: كيف يكون (حلو مثل الموت)؟ يجيب عبد الله: الإنسان عندما يكون متوازناً عقلياً وروحياً يتقبل كل شيء في الحياة حتى الموت يتقبله بحلاوة

يعكس تقاليد وعادات متوارثة

يقول عبد الله: يكتسب احتساء الشاي أهمية خاصة عند الطوارق، إذ يدعون أي شخص يصادفهم لتناول الشاي حتى ولو كان عابر طريق، وهذا دليل احترام ومحبة للناس، وأهميته ليس كمشروب ساخن إنما ترتبط الدعوة له بمناسبات اجتماعية كالدردشة حول موضوع معين يهم الناس أو لحل مشكلة أو للحديث عن الزواج وغير ذلك.

وأضاف: لتحضير الشاي يلزم ثلاثة عناصر مهمة أولها الجمر، وكل ما يطهى على الجمر لذيذ الطعم ويأخذ وقتاً طويلاً، وهكذا الجمر مع الأصدقاء تحلو الجلسة والسهرة والأهم هو الوقت الطويل المخصص للأصدقاء الذي يعكس المحبة. 

واجبات المضيف.. والضيف…!

ونسأل عبد الله عبدولي عن واجبات وحقوق الضيف في سهرات شاي الطوارق، فيجيب: تتميز طريقة تقديم الشاي أولاً باحترام ذوق الجميع، حيث هناك المرونة في تحضيره لتلبية رغبات كل الناس، وبنفس الوقت هناك شروط ليبقى ضمن التقاليد وأهمها ملء الكؤوس وعليها رغوة الشاي، وإذا تم تقديم الشاي بلا رغوة معنى ذلك قلة تقدير واحترام للضيف، حيث يتطلب سكب الشاي مزجه جيداً وصبه من الأعلى لتظهر الرغوة، وبعد صب كل كاس تضاف له قليل من الرغوة.

يتابع عبد الله: يتوجب على الضيف احترام الشخص الذي يقدم له الشاي، حيث ينبغي تناول الشاي بجرعات صغيرة مع تباعد الفترات بينها، وإذا شرب شخص الشاي بسرعة هذا يعني أنه لا يحترم الرجل الذي استضافه وقدم له هذا المشروب اللذيذ.. كما يعتبر رفض الضيف شرب أي من الحصص الثلاث للشاي فظاظةً غير مقبولة.

وأضاف: كما إن الشخص الذي يحضر الشاي هو الذي يطلب من الحضور: هل تريدون أن أضيف لكم الشاي ام لا؟ وهو أيضاً مسؤول عن تنظيف الأواني ولا يعطيها للآخرين..

تاريخ الشاي عند الطوارق

وعن قصة طريقة تحضير شاي الطوارق بنكهته المميزة عالمياً، يقول عبد الله: كما تعرفون قبائل الطوارق تعيش في الصحراء التي يستحيل فيها زراعة الشاي، وبدأت قصة التعرف عليه من خلال البريطانيين الذي كانوا يسوقون بضائعهم بما فيها الشاي الأخضر في المغرب العربي، وأعجبوا بطريقة تقديم الشاي مع النعناع في المغرب وطورها حسب ظروفهم المعيشية.

وأوضح أن الطريقة بسيطة عند المغاربة حيث يوضع النعنع في خلاط كبير ويصب عليه الشاي ويحرك بالمعلقة، والطوارق طوروا هذه الطريقة لتتناسب مع ظروفهم وحياتهم اليومية واعطوها نكهة ومميزة خاصة.

شاي الطوارق بنكهته المميزة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *