د. هناء القلال: لتلتقي الجاليات العربية على ما يجمعها.. ليكون صوتهاً مؤثراً وحضارياً…! (2-2)
(سويسرا والعرب) – أجرى الحوار قاسم البريدي:
تتابع (سويسرا والعرب) نشر الجزء الثاني من الحوار الشيق والمهم مع أستاذة القانون الدولي ووزيرة التعليم الليبية السابقة الدكتورة هناء القلال، والذي خصصنا محوره الرئيسي عن أهمية ودور الجالية المغتربة، وما الدور الذي يمكن أن تفعله أولاً للاندماج في المجتمع الجديد وثانياً كجسر محبة وتواصل بين سويسرا والدول التي أتوا منها.
وفي الجانب الأخر وبناء على طلب القراء، توجهنا بأسئلة شخصية للأستاذة القلال، عما إذا كانت ترغب بالترشح لرئاسة ليبيا الجديدة والقوية، وكذلك دور المرأة الليبية والعربية بشكل عام في حقها للوصول إلى موقع الرئاسة، في وقت يودع العالم المستشارة الألمانية ميركل التي نجحت في تحقيق طموح أقوى دولة أوربية، ولم تبخل الدكتورة هناء بإجابتها..
نترككم مع الجزء الثاني من هذا الحوار، ونشكر كل تعليقاتكم وتحفيزكم، لأمل جديد في سنة أفضل للجميع وشمس مشرقة قادمة..
- مع اطلالة عام جديد، ماذا تقول د. هناء عن جائحة كورونا.. هل التاريخ قبلها غير ما بعدها؟
طبعاً هناك تغيير..، والأكيد سيكون هناك نظام عالمي مختلف تماماً، فيه سلبيات وايجابيات.. أصبح مثلاً العالم الافتراضي هو الأساس، ولنا تجربة واقعية كالتعليم عن بعد والمؤتمرات عن بعد.. وهناك تحسن في البيئة والتغيير المناخي.. وبالمقابل الاقتصاد من جهة ثانية تدهور وبالتالي ارتفعت نسبة البطالة..
والأهم وجدنا ولأول مرة، أن العالم كله يضرب بنفس العصى حتى الدول الكبرى.. فهنا يجب تطوير التعاون الدولي على أسس جديدة، ومهما كانت الخلافات والمصالح يفترض أن يبقى التعاون الأممي أقوى، ومنظمات الأمم المتحدة دورها فاعل، بالرغم من السلبيات المختلفة، ولكن تبقى المنظمة الأم …
وأعتقد ان الحل من الناحية الصحية قريب، والتطعيمات واللقاحات متوقع أن تعطي نتائج جيدة ومضمونة.. والتفاؤل موجود في العام الجديد من جهة التخلص من المرض نعم.. ولكن الأمور الأخرى يجب أن ننتظر أكثر.. وانشاء الله في فصل الربيع ستكون بارقة أمل، وبالمناسبة أقول لـ (سويسرا والعرب) وللمجتمع السويسري بكل أطيافه وللقراء الأعزاء كل عام وأنتم بألف خير.
أقبل الترشح لرئاسة ليبيا..
- سؤال شخصي إذا تم ترشيحك لرئاسة ليبيا.. هل توافقين وهل لديك شروط باعتبارك مستقلة ومعروفة دولياً؟
إذا كانت ليبيا مستقرة، كيان دولة واحدة وجيش وشرطة موحد لاكما هي الأن، وفيها سيادة قانون والانتخابات حقيقية ونزيهة، وحينها نعم أقبل أن أرشح نفسي.. وقد تكون نسبة النجاح قليلة نظراً لكوني امرأة، وليس هناك دولة عربية وصل إلى سلطتها امرأة، ولكن سأخوض التجربة.. ولما لا؟!
- هل نسمع يوماً.. هناء القلال رئيسة ليبيا؟
أنا إنسانة واقعية.. أرشح نفسي او أي امرأة أخرى او أكثر، فقط لإثبات أن يكون للمرأة الليبية حق الترشح لهذا المنصب، وليس القصد ان أكون رئيسة ليبيا، فهذا قد يكون صعب تحقيقه الآن.. طالما لم يتحقق في لبنان أو المغرب أو تونس ولا في الجزائر ولا غيرها، وهذه دول لها باع أطول في العمل لتحقيق الديمقراطية والمساواة، وبلدي ليبيا دولة تقليدية جدا ومحافظة جدا، والمهم أن نكسر حاجز الخوف، أن نزرع الفكرة، حتى تصل لها الأجيال المستقبلية..
- بالمناسبة.. هل كان للمرأة الليبية دور ملموس؟
المرأة الليبية لم تستسلم يوماً بالرغم من كل القيود، فهي تناضل وتحارب لتحقق خطوات ملموسة وقوية.. وصحيح أنها تتقدم خطوات وتتراجع خطوات، ولكن الصحيح أيضاً أنها لا تستسلم..
ولقد كان للمرأة في ليبيا حق التصويت في عام 1951 قبل المرأة السويسرية التي حصلت على هذا الحق عام 1972، كما عملت المرأة الليبية كقاضية، وهو ما لا يسمح به في بعض الدول العربية..
ومع ذلك كله الطريق لايزال طويلاً جداً لتحقيق المساواة، ولتحقق المرأة ما تصبو إليه، ولن يكون ذلك إلا بالمثابرة والعمل دون كلل، وعلى أصعدة متعددة وبالتعاون مع كل فئات المجتمع.
الجالية العربية.. عليها أن تتحمل المسؤولية
- ننتقل أستاذة القلال للحديث عن الجالية العربية.. ماذا عليها أن تفعل لتكون مؤثرة؟
إذا لم تتخلص الجالية من موروثها السلبي بالرغم من التعلم والتجربة في الخارج، فهي ليست أفضل مما هو في الداخل العربي، وإذا لم نعترف بأخطائنا ونتحمل المسؤولية عنها.. فكيف يمكننا ان نحقق التغيير الحقيقي؟
وأنا شخصياً أؤمن بطاولات الحوار المستديرة للجالية، واليوم أوطاننا تعاني لأنها تمر في مخاض جديد مما ترتب عنه تشوه المفاهيم والرؤى، وكل ذلك أثر على الجالية العربية في الخارج، لذا يجب أن نتفق على المصطلحات والمفاهيم كخطوة أولية حتى نتكلم نفس اللغة العلمية ولا يحدث سوء فهم.
والمطلوب إذن وضع رؤية مشتركة لمنع الخلاف وقفل الأبواب على التدخلات الخارجية، وتكوين هويّة جديدة بين جاليات كل هذه الدول والأعراق والمعتقدات، ووضع حلول وسطية تلائم الجميع والتركيز على ما يجمعهم، وليس ما يفرقهم، ليكونوا أقوى للحصول على حقوقهم ودور مميز لهم والتعامل معهم بجدية في سويسرا.
- برأيك.. هل المطلوب منظمة واحدة تجمعها أم أكثر?!
قبل الوصول إلى شكل الكيان المطلوب يجب أن يكون هناك مجموعة مؤسِسة، لديها رؤية موحدة تمثل اغلبية الجالية، ليس هناك أي كيان يمكن أن يمثل الجميع، ولكن على الأقل يمثل الأغلبية.
وهذه المجموعة الأولية تضع الأسس لتكوين هذا الكيان، وما شكله.. هل هو جمعية أم منظمة أم اتحاد جاليات…؟ هذا ما يجب أن يتم تقريره لاحقاً بشكل ديمقراطي ولا يفرض، وتعمل تالياً لتحديد الأشخاص والرؤية المشتركة، ومنها تخرج الفكرة.. هل تكون المنظمة لكل سويسرا أم لكل كانتون على حدا؟ وهل كل رئيس جمعية هو عضو في الجمعية العامة في أشكال مختلفة؟
- وهل حان الوقت لولادتها.. أم ننتظر الفرصة المناسب؟
دائماً ضروري العمل عليها، ومهما حصل من عراقيل أو أخفاقات، فهذا جزء من الرحلة ويجب الاستمرار فمن عدم النجاح يولد الفهم ومن التجربة نتعلم ما يجب وما لا يجب.. ودائماً الوقت مناسب.. بل قد تكون الجالية قد تأخرت.. ولكن من الضروري أن يبدأ العمل..
دور مهم لتحسين علاقة العرب بسويسرا
- د. هناء.. هل ترين دور مهم يلوح في الأفق للجالية لتحسين علاقة العرب مع سويسرا؟
بالتأكيد.. ولو ترجع للأخبار لتجد أن الحكومة السويسرية، بحكم دورها السياسي المحايد، تعتبر من الدول المانحة في ليبيا وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين ومصر ودول المغرب وغيرها.. واليوم هم موجودين فعلاً..
وبالتالي الجالية العربية الموجودة هنا يهمها أن تتواصل مع سويسرا مباشرة، وأن تكون صورة مختلفة عما يتم تقديمها في ساحات أخرى، فلو إنها تستطيع أن تحقق شيئاً مختلفاً، يرتكز على التعددية وتقبل الاختلاف فيما بينها وتقديم نفسها بصورة مترابطة، وهذا بخلاف ما يتم عرضه على الساحة الدولية من تشرذم وانقسامات بين المجموعات المختلفة وبين نفس المجموعة أيضاً، فالجالية عندئذٍ تكون قد حققت نتيجة إيجابية ومؤثرة.
- الأستاذة القلال.. هل الانقسامات تشمل النخبة الذين تعلموا ودرسوا هنا.. وما المطلوب إذن؟
نعم الانقسامات موجودة.. بحسب المرجعيات والمعتقدات والأعراق والانتماءات السياسية وغيرها، وبالنتيجة كل طرف لا يمثل الجميع إنما يمثل رؤى الانقسام.. وأنا شخصياً عدت مؤخراً إلى سويسرا ولا أعرف الوضع بشكل مفصل، ولم اضع سويسرا تحت الدراسة او التلسكوب، لكن توقعاتي تقول انها منقسمة.
والمطلوب عمل جديد وبجهد أكبر.. من الضرورة التعلم من الثمن الغالي الي دفعته أوطاننا، إذا لم تتعلم الجاليات من كل ما حدث، فستكون أمام مشكلة التكرار والوقوع في نفس المطبات، وذلك يضعفها في التأثير في سياسات سويسرا داخليا أو خارجيا، وكسب ثقة شعوبهم في أنهم يبحثون عن المصلحة العامة وليس فقط مصالح شخصية ضيقة.. الجاليات فرصتها أكبر ومطلوب منها الكثير.
- د. هناء.. ماذا يمكن للجاليات العربية أن تفعل لتندمج أكثر؟
من حقك المحافظة على هويتك وأن تلتزم بمقدساتك، طالما أنت لا تنادي بالعنف والكراهية ولا تكسر الخطوط الحمراء، وفي نفس الوقت إذا أردت الاستقرار والعمل في هذا المجتمع، لابد أن تتعلم نظامه وثقافته ولغته، هذا لا يعني أن تلغي نفسك، ولكن ضروري إحداث التوازن بين هويتك الأساسية وبين هوية الدولة التي تعيش فيها.
ومما لا شك فيه أن سويسرا فيها إيجابيات أكثر بكثير من السلبيات، ولكن من الطبيعي يوجد صعوبة في العمل والاندماج إذا لم يكن هناك مرونة، ولكن إذا تكونت جالية عربية قوية ولوبي عربي قوي، بالتأكيد تستطيع أن تدافع عن حقوقها.. ولكن لا تطالب بما لا تستطيع أنت إعطائه، وتراعي أنك تعيش ضمن دولة مختلفة عن معتقداتك وغير عربية.
وهنا في سويسرا فرصة ممتازة للجالية، لأنها ضمن دولة تسمح بالحفاظ على هويتك، وتعلم اللغة العربية وممارسة العادات والمعتقدات التي لا تتنافر مع القانون السويسري، وطالما لا تمس الأمن الوطني للدولة..
ويجب احترام كل ذلك وليس الاستهتار بقواعدهم، لأننا إذا اصرينا على مخالفة القوانين واللوائح، فبالتأكيد سيتم الملاحقة والمحاسبة فما يميز سويسرا هو أنها دولة يحكمها سيادة القانون بشكل كبير …!
بطاقة تعريف:
د. هناء الصديق القلال مواليد 8.8.1970 بنغازي.
تتقن اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والألمانية.
شغلت سابقاً وزيرة للتربية والتعليم في ليبيا في المرحلة الانتقالية الأولى ورئيسة المركز الليبي للتنمية لحقوق الإنسان.
لها عشرات الأبحاث وتشارك في الملتقيات العربية والعالمية في مجال القانون الدولي وحقوق الانسان.
درست القانون في جامعة محمد الخامس بالمغرب ثم ماجستير في جامعة بنغازي، والدكتوراه في القانون الدولي من جامعة برن في سويسرا.