آراء وحوارات

الفنان التشكيلي عبد الزراق حمودة: من يحمل شهادة الدكتوراه بالحضارة العربية والإسلامية ولا يعرف الخط العربي أمي…؟!

بيل / بيين : (سويسرا والعرب) – قاسم البريدي:

فنان تشكيلي سويسري الجنسية تونسي الهوية، كرس فنه وحياته لخدمة الخط العربي التشكيلي، واستطاع من خلال نشاطه وحياته في جنيف عاصمة السلام، أن يكون سفير الثقافة العربية بين سويسرا وأوروبا من جهة وبين الدول العربية من جهة ثانية.

ويختلف أسلوبه عن باقي الفنانين التشكيليين الذين تخصصوا بالخط العربي، حيث يربط فن الخط بالشعر والأغنية من خلال صداقات حية وقصص جميلة ومبدعة..

إنه الفنان التشكيلي عبد الرزاق حمودة الذي التقته مؤخراً (سويسرا والعرب)، وكان هذا الحوار الشيق..

Abderrazak Hamouda

أكثر من 7000 لوحة …!؟

  • في البداية: حبذا لو نعرف القراء من أنت وماذا عن تخصصك الفني وما حصيلة عملك وآخر نشاطاتك؟

يجيب الفنان عبد الرزاق حمودة: أنا تونسي وأحمل الجنسية السويسرية وأقيم في جنيف، وأمارس هوايتي الفنية منذ 40 سنة، وأقمت حوالي 400 معرض في العالم، وأخر معرض في البحرين منذ شهرين ومعرضي القادم في تونس عن الأغنية التونسية وبعدها معرض في المتحف الوطني للبحرين مع شاعرة فلسطينية.

أما اختصاصي فهو خط تشكيلي خاص بي اوظف الخط العربي والنصوص في لوحاتي، والنص الذي اختاره هو ما أتبناه وتمنيت لو قلته قبل الشاعر نفسه صاحب النص، وعندي أكثر من سبعة آلاف لوحة استخدم النصوص الشعرية والحكم العالمية.

وأضاف: عندي لوحات لأغلب الشعراء العرب من الجاهلية حتى اليوم، فالشاعر أدونيس صديق العمر 30 سنة وعملت له نحو 120 لوحة فنية وأثر بي، وكذلك الشاعر نزار قباني صديقي رحمه الله حيث عاش نحو خمس سنوات في سويسرا..

لوحة خاصة لنزار قباني

  • وهل تذكر لنا بعض القصص في علاقتك مع نزار قباني؟

كنت أحبه وأحب المزاح معه وحصلت بعض الطرائف، وأذكر عندما أقمت معرضاً في عام 1987، زاره الشاعر القباني وكانت فيه لوحة من لوحاتي الكبار لقصيدة يقول فيها: فيا قارئي.. يا رفيق الطريق، فعجبته اللوحة.. فقال لي: هل تستطيع إهدائها لي ؟ ضحكت وأجبته: أنا اشتري كل كتبك وأنت توقع لي عليها كإهداء.. وأنت تشتري اللوحة وأنا أعمل لك إهداء!؟ فسكت مبتسماً وقال: لم يتجرأ أحد ويقول لي مثل هذا الكلام!؟ قلت له: حبيبي نزار أنت فنان في كتبك وأنا فنان في لوحاتي، وترك ذلك أثر في نفسي من هذه الدعابة معه، وفي اليوم التالي اتصلت به وقلت: سأتي إليك بالتكسي ومعي شيء أقدمه دون أن ترجعه وأهديته اللوحة…

  • بحكم موقعك وعلاقاتك الواسعة: لماذا لم ينل الخط التشكيلي العربي مكانته عالمياً؟

أقول لك أولاً الخط التشكيلي العربي هو فن عالمي استوعب كل أشكال الفنون والتقنيات والمساحات حتى بيكاسو له مقولته الشهيرة:( كلما حاولت أن أدخل إلى مساحة جديدة إلا ووجدت الخط العربي قد سبقني إليها (ورغم تأثره بالفن الإفريقي لكنه كان مندهشاً لروعة الخط العربي..

أما مكانة هذا الفن فلم تأخذ نصيبها للأسف في أوروبا، وذلك بعد حادث 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001 وإعطاء صورة سلبية عن العرب والمسلمين وربطها بالإرهاب، وقد اندثرت كل الجهود وكل الحب والسحر لهذا الفن الجميل.

  • أستاذ حمودة.. وما العمل برأيك؟

تغيير الصورة النمطية من خلال التواجد الميداني، كما نفعل الآن معاً في مهرجان (المسار الثقافي) في مدينة بيل/ بيين من خلال المشاركة في الفعاليات الثقافية بجناح خاصة للخط العربي وكتابة أسماء الزوار بلوحات جميلة، تخلق شعور بالمحبة والعشق لهذه اللغة الجميلة لإدخال ثقافتنا بأسلوب حضاري، ودائماً أصطحب أقلامي معي وهذه الطريقة السلسة والبسيطة، ويمكن وكما تشاهد هذه الفتاة تريد أن أكتب لها أسمها على يدها مثل التاتو وذاك الشاب كتبت اسمه بلوحة أعجبته جداً..

  • هل تعيش من وراء فنك.. وما أهم الدول التي أقمت فيها معارض؟

لا.. أنا عملت في النشاطات الثقافية في مدارس جنيف واختصاصي في الجامعة كان اللغة الفارسية والتي لها إضافات مهمة على الخط العربي..

وعملت معارضاً عديدة في الامارات البحرين السعودية مصر ولبنان والمغرب وتونس وسويسرا والنمسا وإيطاليا والنرويج وغيرها..

الخط الحر.. مدرستي

  • هل اتبعت مدرسة فنية محددة في الخط؟

 لا.. أنا عصامي اعتمدت على نفسي، ولي صديق عراقي يقيم في باريس، وأنا أحييه واسمه عبد الغني العاني وهو التلميذ الوحيد المجاز من هاشم البغدادي، ويسمونها الإجازة اليتيمة لأنه الوحيد الذي حصل عليها وبعدها توفي..

وحاول صديقي أن يجذبني إلى النمط الكلاسيكي، لكنني أعشق الخط الحر، ولي طريقتي في فن الخط، وقد مر 40 سنة على أول معرض لي في باريس بهذا النمط الخاص..

  • وهل لك جمهور.. وما هي نشاطاتك القادمة؟

 لا أعرف شيء اسمه الجمهور، ولكن اتلقى دعوات عديدة، وأنا معروف وأنظم لقاءات لفنانين تشكيليين عالميين وبحدود أربعة أو خمسة لقاءات سنوياً، وأربط بين الناس الأغنياء وبين الفنانين.. وأتصل بأصدقائي لترتيب كل مستلزمات النجاح، وأحياناً نطلب من الفنان دفع ثمن التذكرة فقط، وبعض الدول المضيفة تقدم ذلك كالبحرين.

أما الملتقى القادم فهو في صحراء تونس وأصطحب معي ثمانية فنانين من تونس والعالم ونمضي أسبوعاً بأكمله في الصحراء لنرسم، وبعدها هناك ملتقى في المغرب في سبتمبر/ أيلول، وأنا مدير الفن للصالون الدولي المعاصر في طنجة، وعندي ملتقى آخر في عجلتون بلبنان الدورة الثانية أيضاً في نفس الشهر.

  • ولك اهتمامك بالأغنية أيضاً؟

نعم والمعرض القادم هذا الصيف في تونس، عن الأغنية التونسية من العشرينات حتى الآن وتجسدها 75 لوحة من أعمالي.

الفن.. طريقة حياة

  • وهل يتم توثيق أعمالك الكثيرة لحفظها؟

للأسف لا يوجد توثيقي لأعمالي لأن أنشطتي تتم عبر الهاتف، وأعمالي منتشرة بشكل رئيسي في تونس وباريس وجنيف، والعديد من أعمالي ضاعت، ومرة صديقة سعودية كلمتني من البحرين قائلة: حمودة وجدت لك ستة أعمال في أحد صالات العرض.. وأضافت: عندما عرضت على صاحب الصالة لوحة عرفها وقال هذه للفنان التونسي حمودة.. وله عندي عدة لوحات وضعها منذ خمس سنوات ولم يأخذها.. وأنا نسيتهم بالفعل ونسيت أكثر من عشرين عملاً لا أعرف أين هم الآن …؟!

  • ماذا عن فلسفتك الخاص للفن؟

 أقول: الفن هو طريقة حياة وفلسفة حياة، وحين يجذبك فن ما يأخذك إلى العمق، وكما يقول جبران خليل جبران: إذا أتاك الحب فاتبعه، والفن لا تفكر به كن معه طبيعياً ليدخل أعماقك ويخرج منها كل شيء جميل ومبدع.

 والفن هو النزاهة العفوية الفكرية التي تأتي من الأنانية المطلقة لعشق الفن، والفنان لابد أن يكون أناني مطلق لماذا.. لأن الأنانية عند الفنان إيجابية لأنه لا يكذب على نفسه، والعمل الذي يعمله يصنعه لنفسه قبل الآخرين، ولا يعمل للسوق ويأتي واحد يقول اعمل لي قصيدة شعر لزوجتي.. أقول له: موافق إذا كان الشعر يعجبني أنا وإلا أرفض ذلك ولو عرض علي الثمن الخيالي…!

الدعم الحكومي التونسي لفن الخط غائب…؟!

  • ما رسالتك للجيل القادم وعشاق الخط العربي؟

مشكلتنا مع الحكومات وأنا في حرب مفتوحة مع وزارة الثقافة التونسية منذ أربع سنوات، لأنهم لا يدرسون الخط العربي لا في الجامعة ولا في المدارس، وأعتقد أنها الدولة الوحيدة عربياً التي ليس لها مهرجان للخط العربي.. وأنا بادرت لتأسيس ملتقى الخط العربي في تونس منذ 7 سنوات، وهذه السنة أسست ملتقى ثاني في مدينة ثانية ولكن تعامل الحكومة صعب جداً…!!

وقد صادفت مشاكسات مباشرة وشخصية مع الوزراء وأسألهم: هل ليدكم عداوة شخصية مع الخط العربي…؟ لأنه في تونس مهمش جداً وفي مصر هناك مدارس وتخصصات في الماستر والدكتوراه وكذلك في سورية والمغرب والجزائر والسودان وتركيا وإيران ودول الخليج وغيرها وهناك من ابتكر فنون جديدة كالفنان المغربي الخربوشي وقنن الخط الكوفي القيرواني والأمثلة كثيرة.

حقيبة الخط العربي في جنيف

  • بعد 40 سنة ماذا عن جهودك لنشر الخط العربي في سويسرا؟

أعطيت لفترة دروساً في فن الخط وحاولت كذلك في جامعة جنيف، وأنا أرى شخصياً أنه من المؤسف جداً، وحتى نوع من الشتم للثقافة العربية، أن يعمل شخص دكتورة في اللغة والحضارة العربية والاسلامية في سويسرا أو غيرها، ولا يعرف شيئاً عن النقطة والخط العربي، وليس لديه إمكانيات دخول لوحة الخط العربي، وهي تعطي مفاهيم عميقة عن ثقافتنا، وبالتالي نجد شخصاً لديه دكتوراه في اللغة العربية وأمي في الخط العربي…!

 ولذلك فقد حوربت في الجامعة ولم أعمل سوى فصل دراسي واحد، وغايتي نشر هذا الفن الجميل وعندما يشاهد أحدهم لوحة أو عبارة يعرف مدلولاتها الثقافية والفكرية ولا يعتبرها عبث …

  • وكيف جاءت فكرة حقيبة الخط العربي في التعليم؟

هناك ملتقى تربوي سويسري يعقد مرة كل 40 سنة، ودعتني حكومة جنيف لأمثل وزارة التعليم عن طريق الخط العربي، وسألتهم عن سبب اختياري وهناك خطاطة سويسرية.. وعرفت أنهم يسألون ثلاثة أسئلة كل 40 سنة ويعرضوا أكثر ما أنجزوا خلال هذه الفترة من ثقافات وتقنيات..

ورأت حكومة جنيف في مشروع المرحلة القادمة، ان تكون المدرسة منفتحة أكثر على الحضارات، ولم يجدوا أفضل من الخط العربي، ولذلك استجبت لهم ودرسّتُ طلبة السادس الابتدائي ثلاثة أشهر هذا الفن، والأطفال أنفسهم عملوا فيلماً عنه مدته 12 دقيقة، وعملنا حقيبة تعليمية عن الخط العربي عام 2002، وكل مرة تدور الحقيبة ويتم تجددها، والأساتذة يدرسون عندي ليستطيعوا شرحها وتفسيرها للطلاب.

التنوع الثقافي قوة لسويسرا..

  • أستاذ عبد الرزاق حمودة أفهم من كلامك أن الثقافة العربية مهمة إذن لسويسرا؟

نعم.. لأن السؤال هنا: ماذا نفعل للتعايش مع الثقافة ونضيف لها، والثقافة بدون إضافة لا شيء.. وسويسرا تكمن ثروتها في هذا التنوع الثقافي، أنا من تونس وأنت من سورية والآخر من باكستان واليابان وموزمبيق، وهم هنا يأخذون ما عندنا لإغناء ثقافتهم.. ولكن هذا الشيء غير موجود في دولنا العربية، وكما يقول نزار قباني: ثقافتنا هي الممنوعات، وكل شيء ممنوع والطفل يعيش على المحرمات، وهم يدرسون حتى الجسد والجنس منذ الطفولة ويستوعبون كل الحضارات.

  • حظك سعيد إذن أنت كفنان موجود في سويسرا؟

نعم ومن يرضى عليه أبوه وأمه يأتي إلى سويسرا…!؟

فن الخط العربي يستهوي السويسريين.. فهل يكمل طريقه هذا العام؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *