تحقيقات

الأسر المهاجرة: ما بين مِطرقة الإقامات المؤقتة وسَّندان عدم توفر فرص العمل…!؟

5 حالات تعكس الواقع الصعب لقضاء العطلة الصيفية

(سويسرا والعرب)- بيل/بيين:

كيف تقضي الأسرة المغتربة إجازتها الصيفية في سويسرا.. وماهي أبرز المشكلات التي تعانيها منذ وصولها وحتى الآن؟

وما أسباب عدم تعلم اللغات بسرعة وزيادة حالات الطلاق على سبيل المثال.. هل المشكلة تكمن في المهاجرين أنفسهم والحرية المتاحة للمرأة في هذا البلد.. أم في القوانين والأنظمة التي لا تساعد على استقرار الأسر وتساهم في تفككها أحياناً كثيرة؟

هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على مجموعة من النساء المغتربات.. وكانت هذه الإجابات..

خمس حالات

(سويسرا والعرب) التقت مع خمسة نساء يمثلن نماذج مختلفة في الإقامة والجنسية، وهن السيدة راضية من تونس ومعها إقامة دائمة (c) منذ 18 سنة ولها أربع بنات والسيدة نظيرة من تركيا تعيش منذ ثلاث سنوات مع بنتيها وابنها وإقامتها إنسانية(N) وثلاث سيدات من سورية هن رشيدة وتقيم هنا منذ عام ونصف وإقامتها إنسانية (N) وسوسن مقيمة منذ أربع سنوات ونصف ولديها بنت وولد وإقامتها مؤقتة(F ) ونسيبة وهي خريجة إعلام ومقيمة منذ أربع سنوات وتسعة أشهر ولديها ولدان وإقامتها دائمة(B).

نفقات التنقل باهظة..

الواقع يشير إلى أن العطلة الصيفية في سويسرا قصيرة وتتراوح مدتها بين خمسة إلى ستة أسابيع فقط حسب الكانتون، وهي تشكل عبئاً على الأسر المهاجرة التي لا تستطيع أغلبها السفر إلى بلدانها الأصلية أو حتى خارج سويسرا حسب نوع الإقامة.

فالسيدة راضية اعتادت أن تسافر مع عائلتها إلى بلدها تونس حيث تسمح إقامتها بالسفر لأي بلد كان، لكن هذا العام بسبب كورونا اضطرت للبقاء هنا، وتمضي العطلة بزيارة الأقارب والأصدقاء أو التنزه قرب البحيرة.

اما الأسر المهاجرة الحاصلة على إقامة (ن أو ف) فلا يحق لها مغادرة سويسرا من جهة، ومن جهة ثانية يصعب تنقلها إلى باقي المناطق داخل سويسرا في العطلة المختلفة للترويح عن النفس أو زيارة الأقارب بسبب الأجور المرتفعة جداً لوسائل النقل العامة والمتمثلة بالقطارات والتي تفوق قدرتهن المادية، والحل الأسهل هو شراء سيارة خاصة للأسرة والتنقل بها.

 تقول السيدة سوسن: أزور مع زوجي وأولادي أهلي في زيورخ وأقربائي في برن بواسطة سيارتنا الخاصة، ولولا ذلك لما استطعنا التحرك خارج القرية التي نسكن فيها، وكذلك حال السيدة نظيرة التي تزور أهلها في زيورخ أيضاً وباقي الوقت تمضيه في البيت أو المنتزهات القريبة أو الأسواق.

أما السيدة نسيبة التي تسمح لها إقامتها (ب) بالسفر خارج سويسرا عدا بلدها، فهي لم تخطط لأي زيارة خارجية لسببين: الأول جائحة كورونا والسبب الثاني والأهم أن أسرتها لا تمتلك سيارة، ولهذا لا تستطيع أن تقوم حتى بسياحة داخلية لكنها تنتهز فرصة الصيف لتتعلم اللغة الألمانية.

ثلاث مراحل.. بانتظار الحظ أحياناً

وعن معاناة الأسر المهاجرة، فهي تختلف حسب كل حالة وحسب الحظ أحياناً كثيرة، ريثما يتم الحصول على إقامة.. ففي المرحلة الأولى تبدأ المعاناة في السكن الجماعي (الكامبات) المركزية القريبة من الحدود مع الدول المجاورة، وهنا الصدمة في هذا السكن لأن الخدمات مشتركة ولخليط من كافة الجنسيات، وتستمر هذه المرحلة الصعبة جداً لنحو ثلاثة أشهر كحد أقصى.

أما في المرحلة الثانية يتم فيها الانتقال لمكان إقامة في الكانتون المحدد للفرد أو العائلة حسب الحظ، وأحياناً للمكان المقيمة به عائلة المهاجر في حال لم الشمل، وهذه المرحلة أقل صعوبة لكن ليس لها سقف زمني وقد تستمر لأكثر من سنة وتصل لأربع سنوات وأكثر.

وفي المرحلة الثالثة يصدر قرار القضاء حول حالة المتقدم سواء أكان فرداً أم عائلة فالقرار إما إيجابي يتم قبوله وشروطه جيدة، وإما سلبي وله نوعان الأول رفض الطلب مع السماح بالإقامة مؤقتاَ لأسباب إنسانية ، والثاني رفض طلب اللجوء ثم الطرد لاحقاً إلا إذا استأنف وقدم طعناً قانونياً لإعادة النظر في قصته.

معاناة مخيمات اللجوء…!

وتروي السيدة سوسن معاناة عائلتها قائلة: بقينا في كامب غورزلينغن في كانتون زيورخ نحو شهرين، وكانت المعاملة فيه سيئة للغاية حيث النظام الصارم بالدخول والخروج وبالطعام والنوم، وبعض الموظفين عنصريّن ويُعاملون الناس بأنهم لا يفهمون شيئاً بالحياة وكأنهم جاؤوا من الغابة…!؟

وأضافت: عندما انتقلنا الى قرية تراملان التي تتكلم الفرنسية سكنّا 9 أشخاص ببيت واحد، وبعد سنة سكنت عائلتي في بيت مستقل، وأتمنى أن تتحسن إقامتي ويجد زوجي عملاً لأستقر وتتحسن ظروفنا ونندمج بالمجتمع أكثر لأن تكلفة الحياة هنا من أغلى دول أوروبا.

بدورها السيدة نسيبة أكدت صعوبة المرحلة الأولى في مخيم تابع لكانتون بازل، حيث استمرت عائلتها نحو شهر ونصف، وبعدها انتقلت لقرية تراملان أيضاً، لتستمر معاناتها عدة سنوات، وبعدها حصلت على الإقامة الدائمة لتستقر الأمور بشكل أفضل.

واستدركت قائلة: تصور أن ابني الصغير، وعمره ثلاث سنوات، عاش بيئات مختلفة وعانيت الكثير لأعلمه اللغة، لأنه صار يتحدث بلغات لا أفهمها، حسب الجنسيات التي سكنت معنا، وبذات الوقت لا نستطيع أن نقوم بدورنا اتجاه أولادنا لدرجة غير منطقية، فمن جهة يطلبون منا ضبط أطفالنا أثناء اللعبة، وحين نقوم بدورنا يتهمونا بأن نمارس العنف اتجاههم، ولكن الأمور أصبحت جيدة عندما انتقلنا إلى بيت مستقل.

وبطء تعلم اللغة…!؟

وعن سبب صعوبة التعلم للغات في سويسرا، وهي بشكل رئيسي الألماني أو الفرنسي حسب الكانتون، تؤكد السيدة نسيبة أن المشكلة الأبرز هي في تحديد المستوى، وكذلك في اختيار الصفوف حيث لا يوجد انسجام، فالمتعلم وغير المتعلم يوضعان في نفس الصف، وهذا يحدث فوارقاً كبيرة ويبطء العملية التدريسية.

وأشارت نسيبة إلى أنها بقيت هي وزوجها سنة كاملة بلا دورات لغة بحجة عدم وجود أماكن شاغرة، وبعدما تعلمت اللغة الفرنسية انتقلت لتعلم اللغة الألمانية لأن فرص العمل في المقاطعات التي تتكلم الألمانية أكثر بكثير وتشكل نحو 75% من إجمالي سويسرا.

 وتؤكد السيدتان سوسن ورشيدة أن أسلوب الدورات تقليدي، وكأننا في مدرسة نظامية حيث تدرس القواعد بشكل مفصل، في حين أننا نريد دورات المحادثة لنتعلم النطق الصحيح والجمل لا القراءة والكتابة فقط.

وأضافتا: المشكلة دائماً تتعلق بالمخصصات المادية لكل دورة، فبعض الدورات يومين فقط وبعضها أربعة أيام في الاسبوع، وهذا يتعلق بنوع الإقامة للمتعلم، وأحيانا لا نذهب للدورة بحجة عدم اكتمال العدد، وهنا يضيع الوقت لأكثر من سنتين بلا فائدة، حيث لا يمكن للشخص التقدم للعمل قبل انتهاء المستوى المتوسط على الأقل.

القوانين لا تراعي البعد النفسي

أخيراً.. نسأل عن سبب تفكك الأسرة وزيادة حالات الطلاق؟ أجابت معظم السيدات بأن السبب الحقيقي يكمن بالأنظمة الحالية المطبقة على المهاجرين التي تجعل الأسرة غير مترابطة، إذ يتم إعطاء المساعدات الاجتماعية وتعويد الناس على الكسل، دون السماح للرجل بالعمل بحجة الإقامة أو اللغة، وبالتالي يخسر الرجل مكانته الطبيعية كرب عائلة منتج خارج المنزل.

أما المرأة المهاجرة فتقوم بدورها في تربية الأطفال في البيت وتتوازن نفسياً إلى حد ما، في حين أن مشاكل الأبناء غير المستقرين قد تتفاقم، وهذا الوضع يجعل الأب في حرج ويواجه ضغوط الحياة الصعبة لأنه ممنوع من العمل، وكل ذلك يؤدي لعدم الاستقرار وحالات الطلاق وغيرها.

وقالت إحدى السيدات: رغم أن سويسرا هي بلد الحريات وحقوق الإنسان، لكن على أرض الواقع الأنظمة لا تكفل العمل وتجعل صورة المهاجر مشوهة (لا يحب العمل والتعلم ويعيش على حساب الآخرين) وهذا سببه الأنظمة هنا على عكس العديد من الدول الأوربية التي توفر العمل والدراسة والحصول على الاقامة بسرعة ودون إبطاء.

وخلصن للقول: حان الوقت لإعادة النظر بقانون الهجرة، وإعطاء إقامات بسرعة، لأن ذلك هو مفتاح كل الحلول، ويسمح للجميع بالعمل دون إبطاء، وبالتالي استقرار جميع أفراد الأسرة، لتحافظ على تماسكها وثقافتها، ويكون لها دور مهم في الإنتاج والاندماج في المجتمع.   

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *