تحقيقات

ارتــــداء الـكـمـامـات : كـذبـة بـيـضـاء..أم حـاجـة مـلـحـة؟

·       (سويسرا والعرب) – وكالات:

غيرت العديد من الدول موقفها إزاء ارتداء الناس الكمامات بعد أن كانت تنصح بعدم استخدامها… فما الجديد وماذا عن سويسرا تحديداً؟

بعد ازدياد الحديث عن عدم فائدة الكمامات الواقية لمن هو غير مصاب بفيروس كورونا المستجد، تغير مؤخراً الخطاب الرسمي في العديد من الدول ليخالف هذا الرأي، مما أثار فضول الناس وقلقهم مجدداً.. فما هو التصرف الصحيح؟

نتابع في هذا التقرير أبرز ردود الفعل المستجدة حول موضوع ارتداء الكمامات والتحول الأبرز في الموقف جاء من الولايات المتحدة الجمعة بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن السلطات الصحية باتت تنصح الآن الأميركيين بوضع الكمامات الواقية حين يخرجون من منازلهم، موصيا الأميركيين بارتداء الكمامات غير الطبية.

وقال البروفسور كي شينغ المتخصص في الصحة العامة في جامعة برمنغهام (إنكلترا) والمؤيد لوضع الكمامات لوكالة فرانس برس: “هناك تغير فعلي في الولايات المتحدة، ومنظمة الصحة العالمية تقوم بمراجعة توصياتها”.

ومن آسيا، حيث تستخدم الكمامات بشكل تقليدي، أثار التردد الغربي استغرابا، وقال رئيس المركز الصيني لضبط ومراقبة الأمراض غاو فو في 27 آذار في مجلة “ساينس” إن “الخطأ الكبير في الولايات المتحدة وأوروبا، برأيي، هو أن الناس لا يضعون الكمامات الواقية.

وإذا كانت منظمة الصحة العالمية قد دأبت، ومعها العديد من الحكومات، على القول إن الكمامات يجب أن يستخدمها فقط المعالجون الطبيون والمرضى والأشخاص المحيطون بهم مباشرة، مؤكدين أن هذا الرأي يستند إلى معطيات علمية.

فإن مؤيدي ارتداء الكمامات بشكل عام، يرون في مثل هذا الخطاب غاية خاصة لتجنب أن يسارع الناس للاستحواذ على الكمامات الطبية المخصصة للطواقم الصحية والممرضين والممرضات، ما يؤدي إلى تفاقم النقص القائم أساسا.

                                  هل هو الزامي في سويسرا؟

والسؤال المطروح حالياً: هل يجب على جميع السويسريين ارتداء أقنعة واقية أم لا؟

الناس في هذا البلد الجميل لم يبادروا طواعية إلى ارتدائه  بعد، باستثناء العاملين في القطاع الصحي والعديد من الحالات الخاصة التي تحتاجه فعلاً، ومعهم كل الحق طالما الحكومة لم تطلب منهم إتباع هذا السلوك، سواء في قراراتها الاستثنائية أو في تعليماتها الواضحة وبكل اللغات والتي تخلوا من بند (الزامية ارتداء القناع ) وهي تنص على ستة أمور: غسل اليدين بالصابون وعدم لمس العين والأنف والفم -البقاء في المنزل- تجنب المصافحة- العطس  في منديل ورقي وعلى كوع اليد ورميه في سلة المهملات – ترك مسافة مترين بين الأشخاص – الاتصال بالهاتف الخاص فوراً قبل الذهاب للطبيب.

ورسمياً.. وعلى الرغم من أن سويسرا تعد من بين البلدان التي سجلت أكبر عدد من الإصابات لكل مليون نسمة في العالم، فإن السلطات السويسرية لم تأمر السكان بلباس أقنعة الوجه.

وقال دانيال كوخ، رئيس قسم الامراض المعدية بالمكتب الفدرالي للصحة العامة، في مؤتمر صحفي يوم 17 آذار الماضي: “لم يثبت أن توزيع الأقنعة على الجمهور يحميهم من الإصابة”.

وقد أعرب كوخ مرارا وتكرارا عن معارضته لارتداء الأقنعة الواقية على نطاق واسع بين السكان، بل ذهب للقول، في مقابلة مع التلفزيون السويسري (SRF) في 27 آذار، إن ارتداء قناع يمكن أن يمنح الناس إحساسا زائفا بالأمان.

وأضاف: “من الواضح أنه بارتداء قناع، تشعر بأنك محمي بشكل أفضل، ومن المحتمل ان يؤدي ذلك بالبعض إلى إيلاء اهتمام أقل للإجراءات الوقائية الأخرى، كأن يغسلون أيديهم بشكل أقل، وربما يلمسون أقنعتهم ووجوههم بوتيرة أكبر، ولا يحافظون على مسافة الأمان المطلوبة”. 

وتنسجم تعليقات كوخ مع الموقف السويسري الرسمي الذي يؤكد على حصر ارتداء أقنعة الجراحة أو التنفّس فقط من قبل الأشخاص الذين يفحصون أو يقدمون الرعاية للأفراد الذين ثبت إصابتهم بكوفيد- 19، أو الذين لديهم أعراض أو يعدون من الفئات المعرّضة للخطر. 

ويؤكد المكتب الفدرالي للصحة العامة صراحة بأن “الأشخاص الذين هم في صحة جيّدة عليهم ألاّ يرتدوا أقنعة الواقية في الأماكن العامة و”إذا كنت بصحة جيّدة، الأقنعة لا تحميك بشكل فعّال من الإصابة بفيروسات الجهاز التنفّسي”

ويتفق هذا الموقف مع توجهات منظّمة الصحة العالمية، التي تؤكّد انه “إذا لم تكن مريضا أو تعتني بشخص مريض، فأنت تهدر قناعا”، ويقدّم المكتب المزيد من النصائح حول وقت وكيفية استخدام الأقنعة.

                                                 كذبة بيضاء…!؟

 مع ذلك، يعتقد العديد من السياسيين السويسريين، وفق ما نقلته وكالة سويس أنفو ، أن الحكومة قد أخطأت، حيث قال باستيان جيرود، من حزب الخضر اليساري: “إذا كان هناك ما يكفي من الأقنعة، سيكون من المنطقي جعل ارتداء القناع إجباري -مؤقتا- على سبيل المثال عند التسوّق أو استخدام وسائل النقل العمومي”.

 ويتهم جيرود المكتب الفدرالي للصحة العامة بعدم الشفافية الكافية في بياناته الصحفية قائلاً “بما أن الأقنعة قليلة، وغير متوفّرة، يقوم مكتب الصحة العامة بإبلاغ الناس بشكل استراتيجي، إذا كانت الأقنعة لا تساعد، لماذا إذن يستخدمها موظفو المستشفيات”

وقالت فيرينا هيرزوغ، من حزب الشعب اليميني إنه من “غير المفهوم” أن يشكك مكتب الصحة مرارا وتكرارا في جدوى أقنعة النظافة” مضيفة “هذه كذبة بيضاء واضحة، لأن المخزونات الإلزامية غير ممتلئة، وأقنعة النظافة تقي من الفيروسات وتساعد بشكل كبير، حتى وإن لم تكن بنسبة 100%  .

 وأضافت: المكتب الفدرالي للصحة العامة يشرح بنفسه أن إحدى وسائل انتقال فيروس كورونا هي الإصابة بالقطيرات “إذا عطس شخص أو سعل، يمكن أن ينتقل الفيروس مباشرة إلى الأغشية المخاطية في الأنف أو الفم أو عيون الآخرين”.

وذكرت إن كوخ نفسه اعترف بأن الحكومة ليس لديها ما يكفي من الأقنعة لفرض إجبارية ارتدائها على غرار ما فعلته سلوفاكيا، لكنّه يصرّ على أن سويسرا لديها ما يكفي للعاملين في المجال الصحي، وقال متحدثا للقناة السويسرية(SRF): “لدى الحكومة حوالي 17 مليون قناع، ويتم شراء المزيد” مضيفاً “لكننا نحتاج حاليا إلى مليوني قناع في اليوم”

 بدوره أكد أندرياس غلانر من حزب الشعب قناعته بأن ارتداء قناع الوجه لا يوفّر حماية مؤكدة من الفيروس، و”لكن لو كل شخص كان من المحتمل أنه مصاب بالفيروس منذ البداية فُرِض عليه ارتداء قناع، كان من المؤكّد أن نمنع بعض العدوى” وخلص للقول: لو كانت هناك أقنعة كافية لكانت هذه هي استراتيجية الحكومة.

هل ينتشر عبر الهواء؟

العامل الآخر هو الفرضية، التي لم تثبت علميا بعد، والتي تقول إن فيروس كورونا المستجد يمكن أن ينتقل عبر الهواء، أي من خلال جزيئات هوائية حيوية متولدة مباشرة من زفير الأشخاص المصابين.

ومن المؤيدين لذلك مدير معهد الأمراض المعدية أنطوني فاوتشي، العضو في فريق عمل البيت الأبيض حول فيروس كورونا، الذي تحدث لقناة فوكس نيوز عن معطيات تشير إلى أن “الفيروس يمكنه في الواقع الانتقال بين الأشخاص الذين يقومون بمجرد التحدث وليس فقط حين يسعلون أو يعطسون”

وإذا ثبت ذلك فإن طريقة الانتشار هذه يمكن أن تفسر معدلات العدوى المرتفعة للغاية للفيروس الذي يمكن أن ينقله أيضا مرضى لا تظهر عليهم أي عوارض، واستنادا إلى هذا الاحتمال، أوصت السلطات الصحية الأميركية بوضع الكمامات.

                                       ليس مثالياً لكنه أفضل ..!؟

وقال البروفسور شينغ لوكالة فرانس برس: “الكثير من الناس يعتقدون أن وضع قناع يحميهم من الإصابة، لكنه في الواقع يتيح لهم خفض مصادر العدوى”.

وأوضح “هذا الأمر سيعطي نتائج إذا وضع كل الناس القناع وفي بعض الحالات يكون القناع البسيط للغاية كافيا، لأن قطعة قماش فقط كفيلة بوقف الرذاذ” الذي يحتوي الفيروس الصادر عن مريض، مضيفا أن القناع “ليس مثاليا، لكنه أفضل من لا شيء”.

وفي ألمانيا أيضاً، شجع معهد روبرت كوخ، المؤسسة المرجعية للصحة العامة، المواطنين على ارتداء أقنعة مصنوعة منزليا في الأماكن العامة، وقال رئيس المعهد لوثار فيلير إنه “لا يوجد دليل علمي حتى الآن على أنها تحد من انتشار الفيروس”، لكن ذلك “يبدو معقولاً”.

أما الحكومة الفرنسية فعمدت إلى تغيير موقفها عبر الإعلان عن صنع أقنعة “بديلة” غير تلك الطبية منها، وقال جيروم سالومون المسؤول في وزارة الصحة: “نشجع الناس إذا رغبوا، بوضع هذه الكمامات البديلة التي يجري إنتاجها”

وأكدت المذيعة التلفزيونية الشهيرة مارينا كارير، وهي طبيبة أيضا، أن التعليقات الرسمية حول عدم جدوى الكمامات يمكن أن تصل إلى “كذبة” لكن “من أجل قضية جيدة” أي حجزها لمقدمي الرعاية الطبية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *