آراء وحوارات

د. هناء القلال: كل الدول العربية تعاني من تكرارالفشل.. وما يحدث حالياً هو (حرب بالوكالة)..!؟ (1-2)

(سويسرا والعرب) – أجرى الحوار قاسم البريدي

كيف تنظر أستاذة القانون الدولي ووزيرة التعليم الليبية السابقة الدكتورة هناء القلال لما يحدث في دولنا العربية، من خلال تجربتها مع المنظمات الدولية والإقليمية وأبحاثها المميزة والجريئة، وهل تجد أن هناك أفق لبناء دول ديمقراطية حديثة.. وهل يمكن الاستفادة من التجربة السويسرية.

الدكتورة هناء القلال تجيب عن هذه الأسئلة وغيرها في الجزء الأول من هذا الحوار الخاص لـ (سويسرا والعرب)..

  • هل تعرفينا د. هناء بداية لماذا اخترت القانون؟

في بلادنا عادة ما يتجه الناس الى دراسة الطب والهندسة، وأما أنا فمنذ كان عمري 11 عاماً اخترت القانون كطموح حيث شعرت نفسي حقوقية بالفطرة، فكنت أحاول الدفاع عن حقوق زميلاتي في المدرسة من الساقية الحمراء، لأنني أبحث عن العدالة والمساواة واحترام الآخرين ووقتها لم أكن أعرف مصطلح حقوق الإنسان ولكن كان هذا توجهي بالفطرة ومن ثمة صقلته بالتخصص.

 وحلمي أن أكون قانونية لم يتوقف، رغم التحديات التي نجمت عن التنقل المستمر بين ليبيا وبريطانيا، ثم في المغرب التي أمضيت فيها 12 سنة حيث أكملت دراستي الثانوية و الجامعية في مجال الحقوق، ثم ماجستير في جامعة بنغازي، والدكتوراه في القانون الدولي من جامعة برن في سويسرا بتقدير امتياز.

  • كنت حاضرة في أحداث ليبيا.. فماذا تقولين عما يسمى الربيع العربي؟

بالرغم من أن هناك فروقات بين الحراك في الدول العربية التي حصل فيها الربيع العربي، فإن النتيجة حادت عن الطريق الذي تمناه من كان يحلم بالدولة القانونية، وأصبحت واحدة وهي (الحرب بالوكالة)، وهو صراع بين قوى دولية وإقليمية، لحساب مصالحها الاقتصادية ولكسب الموارد والأمن لنفوذها في المنطقة، ولهذا كل المتحاربين انقسموا حسب هذه الدول، والسياسة لعبة كبيرة ولعبة مصالح أولاً وأخيراً.

أين المؤامرة.. وأين الاستعمار…؟!

  • وبالتالي.. هل ما حدث مؤامرة أمريكية وغربية لتغيير الأنظمة وتقسيم المنطقة؟

أجبت على هذا السؤال في منتدى الفكر العربي في عمان عام 2017 الذي عقد لوضع رؤية حول استشراف أوضاع الوطن العربي حتى عام 2025، وكل النقاشات كانت هناك تكرار على واقع العرب بسبب ما سموه (المؤامرات) عليهم و(الاستعمار)…!؟

أنا أؤمن أن اليوم لم يعد هناك مؤامرة، لأن (المؤامرة) تتم في الخفاء لا في العلن، واليوم كلنا نعلم بما يريده الأخر وما يريده لمنطقتنا ولنفسه .. وبالنتيجة إذا علمنا بها تكون المؤامرة غير موجودة، إنما هناك أجندات للقوى الدولية والإقليمية فهناك أجندة أمريكية وروسية وايرانية وتركية وصينية وإسرائيلية.. فهذا أمر واضح وليس عيباً ولا تهمة، إنما العيب والغير المقبول هو غياب الأجندات العربية …!؟

وللأسف لم نبني دولاً حديثة، طالما لا نتكلم عن حق المواطنة وسيادة القانون و محاربة المحسوبية والإفلات من العقاب وعدم الاستثمار في التعليم الإبداعي وليس التلقين، وأقول دون تردد كل الدول العربية دول تعاني بما في ذلك الدول النفطية، وكلهم سواسية في مهب الريح بدرجات متفاوتة، حيث إنهم دول مبنية على أساس هش طالما لا يرتكز على حق المواطنة.

أموال المنطقة. .ليست لها..!؟

  • وهل يمكن د. هناء التخلص من النفوذ الأمريكي في صناعة القرار؟

أمريكيا كأقوى دولة في الوقت الحالي، تعمل بشكل علمي ومنهجي، لذا لديها رؤى وسيناريوهات متعددة في المنطقة، وفي العالم بصفة عامة بحكم كونها قوة المال والسلاح العظمى، وهم لا ينتظرون كل من يأتي ويحكم منطقتنا، إنما لهم علاقة مباشرة مع هؤلاء سواء ادعوا أنهم يساريين أو إسلاميين أو قوميين أو محافظين، وهذا واقع نعيشه ولا يستطيع أحد أن يصل إلى السلطة إلا إذا كان هناك توافق عليه.

أمريكا هي اللاعب الأول في العالم حاليا، ولهذا علينا أن نقبل التحالف العلني معها، ولكن هذا لا يعني أنني أدعمها أو أدين بالولاة لها، أو أحارب معها ضد مصلحة الوطن، ولكن هذه هي العلاقات الدولية، ونستطيع أن نفعل الكثير من خلال ما يسمى الدبلوماسية وفن التفاوض، طالما نضع المصلحة العامة مصلحة الوطن أولا ولا نهدرها بتقديم المصالح الخاص عليها لمن في السلطة.

وبالمناسبة هناك أمثلة لزعماء استطاعوا تحقيق التوازن في علاقاتهم مع الدول العظمى، وهؤلاء نجحوا لأنهم وضعوا مصالح الوطن قبل مصالحهم الشخصية مثل (مهاتير محمد) و(نلسون مانديلا) وكذلك (لي كوان يو) الذي صنع سنغافورة، حتى ولو كان دكتاتوراً، فهو عمل لصالح بلده أولاً.

  • ومع ذلك الدول العربية تُحّمل الغرب مسؤولية “فشلها”.. هل هذا صحيح؟

لا يُغير الله في قوم حتى يغيروا ما في أنفسهم، ودور الغرب موجود أكيد، ولكن المشكلة تكمن فينا أيضاً، فنحن أكبر مؤامرة على أنفسنا، لأننا لا نريد أن نعترف بالجزء الذي تسببنا فيه، وأسأل: أين مسؤوليتنا بما يحصل لنا؟ وإذا تحملنا مسؤوليتنا سنبدأ بالتغيير.. وبالتالي نفرض على الآخرين احترامنا ونحد من تدخلاتهم، حيث في العلاقات الدولية تتدخل أمريكا وروسيا وألمانيا وإيران وتركيا واليابان وغيرها في بعضها البعض أيضاً والموضوع ليس حكراً علينا، وهذه تدخلات سياسية ومعروفة ولكن كيف تتم مواجهتها..هنا يكمن الاختلاف.

وأخلص للقول: إذا احترمنا أنفسنا وأوطاننا وحقوق الإنسان وحقوق المواطنة وحاربنا الفساد والمحسوبية، عندها نستطيع الى حد ما أن نفرض الشروط التي نريدها، ونغير الواقع العربي إلى واقع أفضل.

  • هل المسألة تتعلق بغياب الوعي العربي.. أم بالنخب لبناء دولة حديثة؟

أبداً.. لا يمكن القول الوعي في بلادنا غائب، فالعالم مفتوح للجميع، والفرد في بلادنا يسمع كل الأصوات المتطرفين والعلمانيين واليسارين ويعرف الحقيقة، ولكن المشكلة ليست في الشعوب إنما فيمن يصل إلى السلطة.. وكيف؟

وطبعاً تقع على النخب الثقافية والأكاديمية والإعلامية مسؤوليات كبيرة، ولكن للأسف المصلحة الشخصية تغلب على المصلحة العامة بين أغلب هذه النخب لتبقى مشتتة وأدوارها هامشية.

وأؤكد هنا وبحكم تخصصي في القانون الدولي، أن الدولة الحديثة لا تبنى على عرق واحد أو دين واحد، إنما تُبنى على مفهوم المواطنة، تُبنى على أسس ثلاثة هي: الأرض والسلطة والشعب، ولم تقل إن الشعب لون واحد بل بجميع أطيافه وأعراقه ويسكنون تلك الرقعة الجغرافية التي تم رسم حدودها وأعترف بها دوليا، ولهم نفس الحقوق والواجبات.

ونظرية (العقد الاجتماعي) مهمة للغاية وتعني وجود دستور تخضع له السلطة نفسها بحيث لا تكون فوق القانون وهذا ما نسميه مبدأ سيادة القانون ، وكي لا يكون الدستور  حبراً على ورق يجب أن تخضع السلطة  لمبدأ الفصل بين السلطات و الرقابة القضائية و أيضا لرقابة الشعب من خلال الاعلام و المجتمع المدني.

مازلنا في البدايات.. وسيأتي جيل ويحصد النتائج

  • وفي النهاية د. هناء ما رؤيتك للعرب بعد كل ما حصل.. هل أنت متفائلة أم لا؟

انا أتفاءل برغم كل السلبيات، وأنا أؤمن أن الانسان هو مجموعة تجارب، وقد تعطل طريق التجارب في بلادنا، نتيجة الدكتاتوريات، التي استمرت بين 30 – 40 سنة تحت حكم واحد، فطبيعة الأمور تتطلب التداول السلمي للسلطة.

 وأقول: نحن في البدايات ولا نستطيع بهذه السرعة، أن نصل إلى ما وصل إليه الغرب، وإذا أخذنا الثورة الفرنسية كمثال، فقد أخذت من الوقت 50 سنة قبل ان تظهر نتائجها، فذهبت من الثورة إلى عهد الإرهاب إلى دكتاتورية عسكرية إلى رجوع الملكية إلى نابليون الثالث، أي حكم ديمقراطي تحول إلى دكتاتورية وإلى إمبراطورية، وكل ذلك قبل أن ندخل إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان الذي نرى فيه فرنسا كمثل نموذجي للعصر الحديث.

وبالمحصلة إذا طلبنا من دول العالم العربي أن يحققوا مطالبهم فوراً بعد ديكتاتوريات طويلة، لنصل إلى ما وصلت إليه فنلندا، التي اعتبرها متطورة أكثر مما حققته فرنسا، فهذا ظلم وإجحاف.. وبالتالي الرحلة أمامنا طويلة، ويوماً ما بالتأكيد سنصل، طالما نحن لا نستسلم بزرع البذور، والأكيد أنه سيأتي يوم ونحصد نتائجها.. لا يأس مع الحياة.. وطالما هناك من يدافع عن هذه الأوطان عن دولنا عن مكاننا تحت الشنس.. أكيد سيأتي جيل ويحصد النتائج.

  • التجربة السويسرية.. كيف نستفيد منها.. وهل هي فعلاً نموذج يُحتذى؟

يجب ألا نقدم سويسرا كدولة فاضلة وإلا سيبادر الجميع للهجوم وذكر السلبيات، ولكن يجب تقديمها أن لديها ما هو أفضل..والمشكلة اننا نرى السلبيات في أي دولة ولا نرى الإيجابيات، ونحن لا نقول إنه لا توجد سلبيات، فالعنصرية والفساد موجودان ولكن بدرجات متفاوتة عن الموجود لدينا.. بالمقابل الإيجابيات كثيرة ونحن لا نملكها، وعلينا أن نأخذها كي نخفف من سلبياتنا الموجودة والمتكررة بأشكال مختلفة.. والسؤال كيف؟

الطريق واضح هنا عملياً في سويسرا، وعلى دولنا أن تأخذ مبادئ سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة، والانتخابات والشفافية ومحاربة الفساد المستشري، وعدم الإفلات من العقاب، والابتعاد عن المحسوبية والقبلية والعشائرية.. الخ..

يتبع .. في الجزء الثاني من الحوار : أي دور ينتظر الجاليات العربية في سويسرا ؟

بطاقة تعريف:

  • د.هناء الصديق القلال مواليد 8.8.1970 بنغازي.
  • تتقن اللغات العربية و الإنكليزية والفرنسية والألمانية.
  • شغلت سابقاً وزيرة للتربية والتعليم في ليبيا في المرحلة الانتقالية الأولى ورئيسة المركز الليبي للتنمية لحقوق الإنسان.
  • لها عشرات الأبحاث وتشارك في الملتقيات العربية والعالمية في مجال القانون الدولي وحقوق الانسان.
  • درست القانون في جامعة محمد الخامس بالمغرب ثم ماجستير في جامعة بنغازي، والدكتوراه في القانون الدولي من جامعة برن في سويسرا.

One thought on “د. هناء القلال: كل الدول العربية تعاني من تكرارالفشل.. وما يحدث حالياً هو (حرب بالوكالة)..!؟ (1-2)

  • موضوع جميل ومستوى عالي من الفكر والآراء…ننتظر تتمه المقابله…بالتوفيق

    Reply

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *