التغيّر المناخي يهدد بذوبان الأنهار الجليدية في سويسرا وأوروبا …!
سباق مع الزمن في المراقبة ومشاريع الثلوج الصناعية
· (سويسرا والعرب) – وكالات:
من المحتمل جداً أن تختفي الأنهار الجليدية الكائنة في جبال الألب بحلول نهاية القرن الحالي، وسوف لن يقتصر الشعور بالعواقب على جبال سويسرا فحسب، ولكن في جميع أنحاء أوروبا.
وذكر موقع (سويس انفو) أن الأنهار الجليدية بصدد الذوبان، لكن هذا ليس بالأمر الجديد، فمنذ عام 1850، انخفض حجم الأنهار الجليدية في جبال الألب بنحو 60 %.
أما الأمر المثير للدهشة في المقابل، فهو السرعة التي يتقلص بها عمالقة جبال الألب، وفي صيف عام 2019 شديد الحرارة مثلاً، فُقد 800 مليون طن من الثلوج والجليد، ما يوازي مكعباً من الجليد يبلغ طول ضلعه كيلومتراً واحداً تقريباً، وفي عام 2021 وعلى الرغم من تساقط الثلوج بكثافة في الشتاء والصيف البارد نسبياً، فقدت الأنهار الجليدية السويسرية 1% من حجمها، وعلى الرغم من أن هذا هو أقل انخفاض يُسجّل منذ عام 2013، إلا أنه لا يوجد أيّ احتمال لحدوث تباطؤ في وتيرة الانحلال، وفقاً للأكاديمية السويسرية للعلوم الطبيعية.
ومنذ عصر ما قبل الصناعة، ارتفعت درجة الحرارة في سويسرا بنحو درجتين مئويتين، أي ضعف المتوسط العالمي، وإذا ما سارت الأمور على هذه الوتيرة، فإن نصف الأنهار الجليدية في جبال الألب البالغ عددها 1500 نهر، بما في ذلك نهر أليتش الجليدي الشهير، وهو أحد مواقع التراث العالمية حسب تصنيف «اليونيسكو»، سوف يختفي خلال الثلاثين عاماً المقبلة. وإذا لم يتم القيام بأي شيء للتقليل من انبعاثات غازات الدفيئة، فإن جميع الأنهار الجليدية في سويسرا وأوروبا ستواجه خطر الذوبان بالكامل تقريباً بحلول نهاية القرن الحالي.
كوارث طبيعية متعددة…!
وفي سويسرا، يتمثل أحدها في تزايد مخاطر حدوث كوارث طبيعية، مثل الفيضانات وتدفقات الحطام والانهيارات الأرضية، إذ يُخشى من أن تبدأ البحيرات التي ستتشكل داخل الأنهار الجليدية بالتدفق فجأة في اتجاه السهول والأودية، وتجرف في طريقها القرى والبنى التحتية. ومع استمرار ترقق الجليد والطبقة دائمة التجمّد، تصبح الجبال أقل رسوخاً واستقراراً، وبشكل منتظم، تنتشر في شتى أنحاء العالم صور توثق حصول انزلاقات صخرية على سفوح ومنحدرات جبال الألب.
وفي أوروبا، قد يتسم الوضع بقدر أكبر من الإشكال، في مناطق تقع على بعد مئات الكيلومترات من جبال الألب السويسرية، ذلك أنه نتيجة لانخفاض حجم الموارد المائية الناجمة عن ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية، فإن تدفق الأنهار الأوروبية الكبرى، مثل الرّون والرّاين والدّانوب وبُو، قد ينخفض بشكل كبير في فصل الصيف.
وسيؤدي هذا إلى انخفاض في مستويات عدد من الأنهار والبحيرات، مما سيُضفي صعوبة أكبر على حركة الملاحة فيها وعلى نقل البضائع من سويسرا وإليها.
ومن أجل الحفاظ على تراث طبيعي يحظى بأهمية وطنية وساهم في الترويج لسويسرا والتعريف بها في جميع أنحاء العالم، بدأ العلماء بخوض سباق مع الزمن، ففي مورتراتش بكانتون جراوبوندن، تم إطلاق مشروع لحماية النهر الجليدي بواسطة الثلوج الصناعية، وهو نظام قد يتسنّى استخدامه أيضاً في جبال الهيمالايا والأنديز، إذا ما كُتب له النجاح.
60 نهراً تهدد المناطق المأهولة..
وكأمثلة عملية على خطر الاحتباس الحراري، يشير تقرير لموقع (سويس انفو) إلى وجود ستون نهراً جليدياً في سويسرا، تشكل خطراً على المناطق المأهولة والطرق وخطوط السكك الحديدية، وعلى الرغم من وجود واحدة من أقدم شبكات رصد الأنهار الجليدية وأكثرها تطوراً في العالم، إلا أنه غالباً ما يستحيل توقع حدوث الانهيارات، كما حصل في قمة مارمولادا في منطقة دولوميتيي شرقي جبال الألب.
وعندما اكتشف كريستوف لامبيل وجود تدفق للماء في قاع النهر الجليدي المعلّق في بلدة مويري بكانتون فاليه، تفاجأ للوهلة الأولى، ثم سرعان ما انتابه القلق، فمنذ نحو عام يتتبع خبير علم التضاريس والأستاذ في جامعة لوزان التغيرات المسجلة في درجة حرارة هذا النهر الجليدي بمجسّات تنفذ إلى الداخل عبر ثقبي حفر.
وداخل النهر الجليدي وفي قاعدته، تكون درجات الحرارة سلبية، ومع ذلك في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، ارتفعت الحرارة إلى صفر درجة مئوية في غضون ساعات قليلة، ونبّه لامبيل إلى أنه حين يحدث ذلك، فقد يحصل انقسام.
والسبب في ارتفاع درجة الحرارة هو تسرب المياه الذائبة ووصولها إلى حيث يلتصق النهر الجليدي بالصخور، ما قد يُفقده التماسك فينهار، وليس من المستبعد أن يكون هذا نفسه ما حدث في مارمولادا في إيطاليا.
ولم تتضح الأسباب الحقيقية لمأساة 3 يوليو/تموز الماضي في منطقة دولوميتي، والتي أوقعت إحدى عشرة ضحية، بينما يتأكد أن الاحتباس الحراري يتسبّب في تسريع ذوبان الأنهار الجليدية، وبالتالي يُتوقع أن تزداد وتيرة ظواهر مثل سقوط الكتل الجليدية وسيلان المياه تحت الغطاء الجليدي.
ويُعد عام 2022 استثنائياً بالنسبة لجبال الألب السويسرية، كما يقول لامبييل، ففي فصل الشتاء كان نزول الثلج قليلاً جداً، وفي فصل الربيع كان هطول الأمطار نادراً، وقبل أن يبدأ الصيف كان الجو حاراً جداً.
مراقبة مستمرة.. ولكن!
وتعتبر «غلاموس»، وهي شبكة رصد وقياس الأنهار الجليدية السويسرية وواحدة من أقدم وأكفأ الشبكات في العالم..
وفي الواقع، تعود القياسات الأولى لعام 1874، حيث تقوم الشبكة حالياً بمراقبة وتوثيق التغيرات على مدى فترات طويلة لـ 176 نهراً جليدياً في جبال الألب، بهدف رئيسي وهو تحديد مساحة الأنهار الجليدية وطولها، وتوازن كتلتها عبر قياس الفرق بين تراكم الجليد والثلج من جهو والكتلة المفقودة أثناء الذوبان من جهة ثانية.
ويضاف إلى هذه المراقبة الروتينية .. مراقبة أخرى أكثر استهدافاً للأنهار الجليدية الخطرة، ومن ذلك، زيارة بعض الأنهار الجليدية مرة واحدة في السنة بتنسيق من الهيئات المعنية على مستوى الكانتونات بغرض مراقبة مدى تكسّر النهر الجليدي، والاطلاع على ما إذا كانت بحيرات جديدة تكوّنت، فضلاً عن خضوع بعض الأنهار الجليدية الأخرى للمُعاينة الدقيقة مع أخذ قياسات كل عشر دقائق وبشكل يومي.
وأياً كان الأمر، يستحيل مراقبة كل تغيير ومنع حدوث كل مأساة محتملة.. فمثلاً، قد تتشكل البحيرات في جيب جليدي داخلي ولا تكشفها المراقبة، وفي بعض أنواع الأنهار الجليدية قد يصعب فهم ما يحدث أصلاً.
وفي حالة ما يُعرف بالأنهار الجليدية «الباردة»، حيث تكون الحرارة دون درجة الانصهار، يمكن للقياسات أن تُنبّئ عن وجود الكسور الجليدية وتُتيح التنبّؤ بالانهيار.
ضربة قاسية للسياحة…!
ومن جهة أخرى.. لم تعد بعض أشهر المسالك ومسارات التنزّه في جبال الألب صالحة للاستخدام، إذ تسببت موجة الحر وذوبان الأنهار الجليدية هذا الصيف في جعلها بالغة الخطورة.
ويُقبل المتنزهون والسياح بحماسة كل صيف على مسارات جبال الألب للوصول إلى بعض أجمل قمم أوروبا.
لكن ظاهرة ذوبان الأنهار الجليدية والجليد الدائم التي يرى العلماء أنها ناجمة عن التغير المناخي، أوجدت مخاطر جمّة على الطرق، من بينها الانهيارات الصخرية المتكررة.
وقال لموقع (سويس انفو) بيار ماتي، الأمين العام للرابطة السويسرية لمرشدي الجبال: ( إن تحذيرات أطلقت في ما يتعلق بنحو 10 من قمم جبال الألب، بينها تلك الشهيرة كمون سيرفان ومون بلان).
وقرر المرشدون الذين درجوا على قيادة آلاف عشاق الجبال إلى أعلى قمم أوروبا كل سنة الامتناع عن سلوك بعض الطرق التي تؤدي إلى أعلى مون بلان.
بدورهم.. شدد مرشدو الجبال الإيطاليون عبر صفحتهم على فيسبوك الأسبوع الماضي على أن اتخاذ هذا القرار «ليس سهلاً» لكنه ضروري في ظل (الظروف الدقيقة جداً التي شهدتها الأسابيع الأخيرة بفعل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة).
وفي سويسرا أيضاً، صرف المرشدون النظر عن رحلات التسلق إلى قمة يونغفراو الشهيرة، ونصحوا كذلك بعدم اتباع الطرق الواقعة على الجانبين الإيطالي والسويسري لجبل ماترهورن (بالألمانية) أو تشرفينو (بالإيطالية) السويسري الشهير.
ورأى رئيس جمعية مرشدي وادي أوستا بإيطاليا إزيو مارلييه أن هذه الإجراءات بمثابة ضربة قاسية للسياحة بعد موسمين صعبين جراء تفشي جائحة كوفيد-19.