اقتصاد سويسرا

الاقتصاد السويسري على المحك: تدابير عاجلة.. وتفاؤل حذر ..ودروس مستفادة

سويسرا والعرب

ماهي الآثار السلبية الناجمة عن فيروس كورونا على الاقتصاد السويسري..وهل الإجراءات الحكومية العاجلة ستبعد شبح الركود عنه؟ ..أم أن الركود سيكون قوياً ويستمر لفترة طويلة يصعب معها أي حل إسعافي؟

رغم أن الأجوبة تبدو صعبة إلا أن هناك من يرى أن حلولاً ودروساً مستفادة لابد من أن تأتي ثمارها ولهذا لن يستمر الركود طويلاً..

وبين الرؤيتين المتشائمة والايجابية تبدو المسافات واسعة لكنها ستتقلص مع مدى التجاوب الشعبي الكبير للوقاية من هذا الفيروس القاتل الذي لم تعرف البشرية مثيلاً له حتى الآن.

مساعدات عاجلة

ويبدو “إن تجنب حدوث ركود اقتصادي في سويسرا سيكون صعبًا للغاية ، ولذلك ترغب الحكومة الفدرالية في مساعدة الاقتصاد بسرعة وبلا بيروقراطية” كما قال وزير الاقتصاد غي بارمولان للصحفيين يوم 13 مارس.

وقد تضررت سوق الأسهم السويسرية بشدة من الذعر الذي تفشى بسبب الفيروس، كذلك قطاع السياحة وقطاع تنظيم المعارض يخشيان تكبد خسائر فادحة، وتتوقع هيئة السياحة السويسرية أن ينخفض عدد السياح من آسيا بمقدار الربع في الربع الثاني من العام، بالإضافة إلى انخفاض بنسبة 20٪ في عدد الضيوف الأمريكيين وانخفاض بنسبة -10٪ في عدد الضيوف من أوروبا، وفي شهري آذار ونيسان /مارس وأبريل هذا العام، يتوقع مشغلو الفنادق السويسرية انخفاض المبيعات بنسبة 45٪. كما يعتقد مطار زيورخ أن حجم الأعمال سسينخفض بنسبة 20٪ بسبب الفيروس.

ولبحث تداعيات الأزمة ، عقد وزير الاقتصاد غي بارمولان لقاء عمل مع ممثلي الفعاليات الصناعية والتجارية المعنية، وقد تم تخفيف الإجراءات الإدارية لتقديم طلب إعانة البطالة بدوام جزئي في غضون مهلة قصيرة بعدما تعهدت الحكومة بتقديم مساعدات طارئة لدعم الاقتصاد.

كذلك أعلنت الحكومة تخصيص 32 مليار فرنك إضافية لدعم سوق العمل. ويضاف هذا المبلغ الهام إلى 10 مليارات فرنك سويسري تم الإعلان عنها بالفعل قبل أسبوع، وتهدف هذه الإجراءات إلى حماية الوظائف وضمان تواصل دفع الاجور ودعم العاملين أيضا لحسابهم الخاص.

الحزمة الجديدة توفّر 20 مليار فرنك للشركات التي تعاني من مشاكل في السيولة للحصول على قروض مصرفية انتقالية.

كما ستتمكّن بذلك الشركات المتضررة من هذه الأزمة من تأجيل دفع إشتراكات التأمينات الاجتماعية مؤقتا وبدون فائدة، وتنطبق هذه التدابير أيضا على الأشخاص العاملين لحسابهم الخاص الذين انخفض معدّل نشاطهم الانتاجي والتجاري.

وسيتم تمديد الحق في التعويض في حالة تخفيض العمل ليشمل العمال من أصحاب العقود المؤقتة أو الأشخاص الذين هم في مرحلة التلمذة الصناعية والتدريب المهني حتى لا تضطرّ الشركات إلى تسريحهم.

ويمكن للوالديْن اللذيْن يضطران إلى إيقاف عملهم لرعاية أطفالهم بعد إغلاق المدارس المطالبة بتعويضات، وينطبق الشيء نفسه على الشخص الذي اضطرّ إلى التوقّف عن العمل بسبب الحجر الصحي الذي يأمر به الطبيب.

الطيران والسكك الحديدية

ويعتبر قطاع النقل من أكثر المتأثرين سلباً بإجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا، فالخطوط الجوية السويسرية (swiss ) ستسحب نصف أسطولها من الخدمة وتقلل من ساعات العمل لطواقم الملاحة للمساعدة في الحفاظ على توازناتها المالية خلال فترة تفشي فيروس كورونا،، بل أن مسؤولاُ في الشركة أكد إنه إذا تفاقم الوضع ، سيتعين على “سويس” وقف جميع طائراتها عن التحليق، وستكون حينها متوقفة على المساعدات الحكومية.

واعتباراً من يوم الاثنيْن 23 آذار/مارس تم تخفيض خدمات وسائل النقل العام في سويسرا على نطاق واسع ، وتزامن ذلك مع خفض الشركة الفدرالية للسكك الحديدية لخدماتها كجزء من تدابير مكافحة فيروس كورونا المستجد على الصعيد الوطني. وقلصت بشكل خاص رحلات المسافات البعيدة إلى إيطاليا، وقالت إن رحلاتها سوف تتوقّف عند آخر نقطة ضمن الحدود الوطنية.

وبموجب هذه الإجراءات سيتم الحد من وتيرة الخدمات على مختلف الخطوط الرئيسية بين المدن الكبرى، في حين سيتم إلغاء بعض الخطوط الأقل أهمية بشكل كامل، وقد وصف مسؤول كبير في الشركة ما يحدث بأنه أكبر تغيير في الجدول الزمني عرفته شبكة سكك الحديد في تاريخها.

كذلك تأثرت بعض الخطوط العابرة للحدود، بما في ذلك خط Leman Express الذي تم افتتاحه حديثا والذي يربط جنيف، جنوب غرب سويسرا، بفرنسا المحيطة بها.

ويتوقع أن يؤثر تقليص خدمات النقل العام، على شبكة الحافلات المحلية والترام في جميع أنحاء البلاد، هو جزء من إجراءات استباقية تم اتخاذها بموجب استراتيجية مكافحة فيروس كورونا المستجد، ويتزامن أذلك بطبيعة الحال مع توقف المدارس والجامعات والوظائف حيث يعمل الكثير من الناس الآن انطلاقا من منازلهم.

وتشير التقديرات إلى أن أعداد الركاب قد انخفضت بنسبة تصل إلى 20% خلال الأسبوع الأوّل من شهر آذار/مارس ويتوقع إن يصل هذا الأسبوع إلى 80%.

الدروس المستفادة

أما الدروس المستفادة من الآثار السلبية لوباء كوفيدـ19 على حياة الناس والاقتصاد فهي كثيرة ، وترى الدكتورة سوزان دي تريفيل أستاذة إدارة الأعمال في جامعة لوزان: إنَّ عواقب هذا الوباء خطيرة بما يكفي لبدء النقاشات التي كان من المستحيل الحديث عنها قبل عدة أسابيع فقط، مضيفة أنه منذ منتصف التسعينات، بدأنا بنقل مصانع الانتاج إلى الصين والبلدان الناشئة، دون التفكير الجدي في المخاطر والتبعيات التي يمكن أن تنجم عن ذلك، وأما اليوم اليقظة صادمة ويتساءل العديد من أصحاب الشركات كيف استطاعوا اتخاذ مثل هذه القرارات الغبية في ذلك الحين.

وأوضحت في حديث صحفي أنه وعلى مدى العشرين سنة الماضية، ظننّا أنه كان يكفي أن نبتكر في الدول الغنية وأن نُنتج في البلدان ذات الاقتصادات «منخفضة التكلفة». لكن، تبيّن لنا أنه بالإضافة إلى عدم إمكانية فصل الابتكار عن الانتاج، هناك قيمة مضافة للأنشطة الصناعية فمقابل وظيفة واحدة في الصناعة، هناك خمس أو عشر وظائف في سلسلة الانتاج أو الخدمات، وهذا أمر في منتهى الأهمية.

وقالت: تمتلك سويسرا جميع نقاط القوة لتطوير صناعة قوية وتنافسية ومن غير الممكن اليوم فصل عمليات الانتاج عن الخدمات بشكل تام كما كنا نفعل سابقاً، ويجب أن تكون العمليتان مرتبطتان بشكل وثيق من الآن فصاعداً.

الركود لن يطول

لمواجهة التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد برزت مؤخراً عدة سيناريوهات ليست متعددة فقط إنما أيضاً متناقضة فبعضها يرى ان الركود الاقتصادي سيخلفه انتعاشاً قوياً، بينما الرأي الآخر فيجد أن الركود سيستمر لبعض الوقت وسيترك آثاراً سلبية.

القسم الأول من الاقتصاديين والخبراء يرون أنه ورغم الاقتصاد السويسري كباقي الدول الأوربية يتجه نحو ركود اقتصادي حاد هذا العام، فإنه في حال تمت السيطرة على الوباء، من المؤكد أن يشهد هذا الاقتصاد انتعاشه قوية بحلول عام 2021.

يؤكد مركز BAK المتخصص في الشؤون الاقتصادية ومقره بازل، إن انهيار الإنفاق الخاص سيؤدي إلى ركود عالمي، وبالنسبة لسويسرا، فإن هذا يعني انخفاضا في صادرات الخدمات بسبب انخفاض الطلب على السياحة وإلغاء الاحتفاليات والمناسبات.

وتوقع المركز على ضوء ذلك انخفاض الناتج المحلي الإجمالي السويسري بنسبة 2.5% في عام 2020. وهو ما يتناقض مع توقعاته السابقة التي قدرت نموًا بنسبة 1.3% لهذا العام. وفي سيناريو متفائل حيث يتم السيطرة على الأزمة الصحية الحالية بسرعة، يرى المركز أن الاقتصاد سيعود للانتعاش بقوة، وذلك بنسبة نمو قد تصل إلى 4.3% في عام 2021.

وسيناريو متشائم

بالمقابل.. يتوقع خبراء من مصرف يو بي إس انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.3% هذا العام، يليه انتعاش بنسبة 2% في عام 2021، بشرط التخلي عن تدابير الحالة الاستثنائية في نهاية شهر نيسان /أبريل المقبل، لكنهم حذروا من أنه إذا استمرت الأزمة إلى أبعد من ذلك، فقد ينخفض ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3% في عام 2020.

ووفقاً لهذا السيناريو المتشائم، سيزداد معدل البطالة ويثقل كاهل الإنفاق الأسري، وستحدث موجة من الإفلاس تصيب الشركات، ما يعني أنّها ستتخلف عن سداد قروضها للمصارف مما سيقلل بدوره حجم الرهون العقارية، وسيكون له أثر كبير على قطاع البناء، وفي هذه الحالة، فإن الانتعاش الاقتصادي المؤمل لن يحدث قبل عام 2022.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *