سياحة

كاترين تعيش بجسدها في سويسرا.. وقلبها معلق في المغرب

(سويسرا والعرب) – قاسم البريدي:

تركت بلدها سويسرا وسافرت العام الماضي إلى مدينة (الصويرة) في المغرب لتستقر وتعيش فيها، وفجأة صادفتها في الطريق ولم أصدق عيني، فسألتها عن سر رجوعها …؟ أجابت كاترين وبحزن شديد: فيروس كورونا أرغمني على أترك بيتي في المغرب وكذلك أصدقائي وكل ذكرياتي الجميلة.. لكنني سأعود بأسرع وقت.

 وفي شقتها التي اختارتها على عجل في مدينة بيل/بيين، كانت المفاجأة الثانية والصادمة بالنسبة لي.. فكل مفروشات شقتها بالكامل عبارة عن لوحات ومفروشات مغربية، فقلت لها مازحاً: ممتاز أنك أحضرت كل هذا معك من المغرب..

قالت كاترين: لا.. أبداً فلم أصطحب معي شيئاً من هناك سوى حقيبة صغيرة لملابسي، وأما هذه المفروشات والتحف المغربية فاشتريتها من محال المفروشات المستعملة التي عثرت فيه على معظم الأشياء التي اعتدت عليها..

السفر ..وحب الناس

وعندما زرت كاترين وجلست معها لأشرب القهوة ، خطف نظري عشرات اللوحات الفنية وكأنني في معرض، ففي كل حائط وزاوية من شقتها تتزاحم لوحات وصور جميلة من ذلك البلد الذي يذكرني بالشام..

عرفت كاترين بما أفكر به وقالت: نعم يا قاسم حقاً المغرب تشبه سورية في أشياء كثيرة.. انظر هنا إلى الأسواق الشعبية وإلى هناك المدينة القديمة بأسوارها وأبوابها..

وأضافت: أنا زرت منذ زمن بعيد دمشق وحلب وحماه وبادية تدمر.. آه خسارة ماحدث من مآسي لهذا الشعب الرائع.

سألتها عن سر عشقها للمغرب وكيف قررت الاستقرار فيه نهائياً وبمفردها؟

 أجابت: القصة قصة حب لا أكثر.. انا وزوجي “مانفِرد ” لم يكن عندنا أولاد، وكنا نعشق السفر والسياحة لاسيما إلى المغرب وتركيا والبلاد العربية وكذلك وسط إفريقيا، ونمضي أحياناً ثلاثة إلى أربعة أشهر في مغامرات وجولات في قلب الصحراء في سيارة خاصة للسفر “لاندروفر”.

وتتابع كاترين قائلة: لقد اكتشفنا البساطة والحب والحرية والانفتاح في كل أسفارنا ورحلاتنا، ولكن توقف كل شيء بعد وفاة زوجي وبقيت وحيدة ولا أحد يساعدني.. وبعدها سألت نفسي: هل سأبقى حزينة وأبكي هنا في سويسرا حيث نظام الحياة الصارم والمناخ الحاد، وأتخلى عن الناس الطيبين والحياة العفوية التي ألفتها وأحببتها في السفر.

وأضافت: لذلك قررت أن أكون شجاعة وأعود بمفردي هذه المرة، وكانت المحطة الأولى تركيا والمحطة الثانية المغرب الذي زرته ثلاث مرات وبعدها قررت العيش الدائم فيه مع الشعب الحنون واللطيف، والحياة الرخيصة أيضاً خصوصاً وأن راتبي التقاعدي هنا لا يكفي، ولهذا أخذت هذا القرار دون تردد..

القرار الأصعب في حياتي..!؟

واستطردت قائلة: بعت كل مفروشات بيتي هنا في منطقة الجورا، واخترت بعد زيارات متكررة مدينة (صويرة) التاريخية والهادئة والمطلة على المحيط الأطلسي وشعبها يتكلم الفرنسية، وفيها يعيش أيضاً سويسريين وفرنسيين وغيرهم من كل جنسيات العالم.

وأوضحت كاترين أن الحياة بسيطة للغاية حيث تعاون الناس معي لاختيار شقة كبيرة بغرفتين بمبلغ 200 فرنك شهرياً، وسرعان ما أصبح لدي أصدقاء كثر مثل فاطمة وصباح وسميرة..

وأضافت: كنت أخرج من بيتي بالتكسي وأجرتها زهيدة لأتجه إلى شاطئ البحر، حيث الأسواق الشعبية والمطاعم والمقاهي، وكان جو المدينة القديمة دافئاً وتقام فيها حفلات موسيقى ورقص، وأنا أحب الموسيقى العربية، وكنت أتنزه مع صديقاتي حتى المساء، وأعود غالباً لوحدي بأمان رغم ان حارات المدينة القديمة الضيقة لم تكن فيها إضاءة كافية.

وقالت كاترين: بعد نحو أربعة أشهر من استقراري في بيتي، حدث وباء كورونا ثم اشتد ومُنع التجول فيها، وصارت الشرطة تطلب من الناس عدم الخروج من المنازل إلا للضرورة القصوى.

وتضيف: خلال نفس الفترة كانت السفارة السويسرية تتواصل معي لمدة ثلاثة أسابيع، وخشيت في هذه الظروف الصعبة البقاء وحيدة فنصحتني السفارة بالمغادرة، وكان القرار الأصعب في حياتي أن أترك حلمي وكل شيء، وأعطيت كل مفروشاتي للناس المحتاجة حيث يوجد فقراء وكنا جميعاً نساعدهم.

خلصت للقول والحزن في عينيها: كان الوداع صعباً للغاية، ولم أحمل معي شيئاً من هذه المدينة التي أحببتها وعشقت رائحتها، وودعت صديقاتي بالبكاء والقبلات على أمل العودة، والمسافة بين الصويرة ومراكش تستغرق في السيارة نحو ثلاث ساعات ومن مطار مراكش توجد رحلات مباشرة إلى جنيف.

الصويرة بلد الحلم والموسيقى والبساطة

سألتها: كم المدة التي أمضيتها هناك وكيف كنتي تعيشين حياتك اليومية؟

أجابت: عشت في أحد الأحياء غير البعيدة عن المدينة وأمضيت نحو أربعة أشهر الماضي وعدت إلى سويسرا في نهاية مارس/آذار.

وقالت: كنت أزور ميناء البحر يومياً وأتجول مع أصدقائي في المدينة القديمة الرائعة بأبوابها وحاراتها ونوافذ منازلها وأسوارها وسكانها البسطاء والفقراء، وحتى باصاتها وسياراتها كلها قديمة وحين تركبها تخاف ان تهتز يمين ويسار، إضافة الى الدراجات النارية والعربات الجوالة التي تبيع الخضار والفواكه والسندويتش، وغالباً ما نرى حفلات الغناء والرقص في الساحات العامة أطفال ونساء ورجال والمارة والكل يشارك الفرح.

واما في المطاعم الصغيرة فأمضي فيها وقتاً طويلاً وكأنها بيتي، وفي العودة نصادف مختلف أنواع الحيوانات الحمير والقطط والماعز الذي يتسلق فوق الشجر، وهناك الحنتور الذي يمكنك ان تركب فيه بسعر زهيد وكلها مشوقة وتدب فيها الحياة.

ولفت نظر كاترين الأسواق الشعبية والمحلات التي تتلاصق مع بعضها وتصادف بائع اللحم وبجانبه بائع الحلويات وبائع السمك والخضروات وبجانبه بائع الملابس وكل ما يخطر بالبال تجده وبكميات كبيرة، وكل الأنواع أحببتها لاسيما البطيخ والطاجين، وحين اشتري برتقالتين يضع لي البائع كيساً كاملاً.. هكذا كل الباعة يسخون بالسعر والوزن.

وأضافت: قد تجد بسطات البيع قديمة وتالفة، وقد تجد المأكولات المكشوفة والتي تتعرض للغبار والشمس أحياناً كاللحوم والأسماك، لكن الناس اعتادت وقد أمرض أنا لا أعرف…!

وعن مدى خشيتها للحياة لوحدها، تقول كاترين: الحياة الاجتماعية سهلة وشيء طبيعي أن تعيش المرأة لوحدها هناك سواء أجنبية أو مغربية، وقسم كبير من النساء كالأوربيات يقدن الدراجات والسيارات ويبيعن في الأسواق ويعملن في كل المجالات، وزرت عدة أسر سويسرية وفرنسية وصار عندي صداقات كثيرة مع الجميع.

أحضر نفسي للعودة..

وقالت كاترين: أنتَ تفهمني كسوري لكن السويسريين لن يفهموني عندما أقول أن الحياة الاجتماعية حلوة جدا فالجميع يعيشون مع بعضهم وكأنهم أسرة واحدة يضحكون معاً يغنون يرقصون معاً.

ولهذا كله – تتابع كاترين-عندما عدت من المغرب صار كل الناس يقولون لي: أنتِ تغيرت وصرتي أسعد إنسانة بعدما كنت حزينة وعندك وجع رأس وأمراض معدة، وهذه حقيقة بفضل العيش مع الناس البسطاء الدافئين. 

واستدركت قائلة: رغم حزني على بعدي عن الصويرة، فإنني في الوقت نفسه سعيدة لأنني عدت للعمل كمساعدة صحية في نفس العيادة الطبية التي اشتغلت بها سابقاً، وهذا سيساعدني في كسب المال الضروري للعودة والعيش هناك في المغرب، لأن راتب التقاعدي يحتاج إلى أربع سنوات لأستحقه حسب عمري. 

مدينة الصويرة

  • تُلقّب بمدينة الرياح أو تاسورت وهي من أهمّ وأعرق وأجمل المدن السياحيّة المغربية بمناظرها الخلاّبة واطلالتها الساحرة على المحيط الأطلسي وطقسها اللطيف، إضافة لطابعها المعماري الفريد حيث الساحات والأسوار والآثار التاريخيّة.
  • يعود بنائها مدينة إلى زمن الإغريق والفينيقيين، وكانت تُعرف بمسمّى موكادورو تعني الحصن الصغير، وتطورت مع مرور الزمن لتصبح أهمّ مراكز التقاء القوافل والمبادلات التجاريّة في بوابة إفريقيا.
  • يقدّر عدد السكّان بنحو نصف مليون يشتغلون بالصيد البحري والتجارة، وفي مجالات الخدمات السياحية.
  • تُعتبر هذه المدينة كباقي مدن المغرب، غنية بالأسوار الحصينة التي بُنيت خصّيصاً من أجل الدفاع عن المدينة ضدّ هجمات الطامعين الغزاة، وقد تمّ تدعيمها بأبراج وخمسة أبواب.
  • وتتوفَر على الشاطئ رحلات بحرية وجولات صحراويّة على ظهر الخيل والجمال أو الدراجات الجبلية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *