بريمو ريخاردس: في حياته كان دهاناً للسيارات ..والآن يدخل التاريخ كفنان مبدع ..؟!

بيل/ بيين- (سويسرا والعرب)- قاسم البريدي وعبد الله عبدولي

قصة جميلة ومثيرة لرجل كان يعمل دهاناً للسيارات، وتأتي الصدف لتكتشف لوحاته فنانة تشكيلية وتخبر زملائها والسلطات البلدية، ليساهموا معاً بإقامة معرض لأحد أبناء مدينة بيل/بيين كفنان يدخل باب التاريخ بعد أكثر من عشرين عاماً من وفاته.

باربارا ماير تشيستر الفنانة التشكيلية السويسرية التي اكتشفت هذا الفنان المغمور تحب الثقافة العربية ولديها أصدقاء عرب كثر حيث عملت بالقاهرة، ولديها ذكريات جميلة وتبعث على السرور لسحر الشرق، ولهذا حرصت على دعوة (سويسرا والعرب) الصحيفة الإلكترونية باللغة العربية لحضور أحد أهم الفعاليات الثقافية في مدينة بيل/ بيين ذات اللغتين الفرنسية والألمانية، وأغلب سكانها من أصول أجنبية، بينهم جالية عربية مهمة.

على مدار شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، تستضيف صالة (التاج العتيق) الواقعة في البلدة القديمة لمدينة بيل/ بيين معرضاً لفنان مغمور اسمه (بريمو ريخارد) ولد في مدينة سولور 1924 وعاش في هذه المدينة وتوفي فيها عام 1998..

فمن هو هذا الفنان.. وما أهمية أعماله.. وكيف يتم التعامل معها.. إننا أمام نموذج يحتذى.. فهل تستفيد منه الدول العربية التي أنهكتها الحروب ووظفت كل ثروتها لشراء السلاح بدل دعم الثقافة والفن؟

عن هذه الأسئلة وغيرها كان لـ (سويسرا والعرب) هذا اللقاء مع الفنانة باربارا..

الصدفة قادت لاكتشافه

كيف تم اكتشاف هذا الفنان؟

تجيب الفنانة باربارا: كنت منذ عام بزيارة لأحد المقاهي ولفت نظري ست لوحات جميلة تزيّن جدرانه، فسألت صاحبة المقهى واسمها (ليندا هيني) عن اسم الفنان الذي رسم هذه اللوحات، وهنا كانت المفاجأة عندما أجابت ليندا: انها ليست لفنان مشهور إنما لصديقي بريمو الذي عشت معه عشرين سنة واحتفظ بكل أعمله الفنية في القبو.

وأضافت: وهنا على الفور طلبت من ليندا الذهاب للقبو، وكانت المفاجأة أننا عثرنا على كنز فني جميل عبارة عن 240 لوحة فنية مغطاة بالغبار ومن حسن الحظ انها كانت بحالة جيدة ولم تطالها الرطوبة.

دعم البلدية للتعريف بأعماله

وماذا فعلتم بعد ذلك؟

اخذنا أربع لوحات إلى مجموعة بيت السعادة للفن (Haus am Gern ) التي يشاركني فيها زميلي الفنان التشكيلي رودولف شتاينر، ووجدناها أنها لافتة للنظر وعرضنا على ليندا صاحبة اللوحات ضرورة إظهارها للجمهور، والتعريف بهذا الفنان المغمور سابقاً ، فوافقت على ذلك ورحبت بالفكرة.

وكيف نجحتم بتطبيق الفكرة؟

عرضنا فكرة التعريف بهذا الفنان وإقامة معرض وكتاب لتوثيق فنه على البلدية وعلى كانتون برن، فرحبوا بالفكرة، وأمضينا عدة أسابيع لترميم وتجهيز اللوحات للمعرض، وطباعة كتاب وانشاء صفحة خاصة به على الانترنت.

وهل سيصبح الفنان بريمو ريخارد معروفاً؟

نعم سيصبح معروفاً في الثقافة العالمية، فإضافة للنقاش والمشاركة والحوار على الصفحة الخاصة به، كتبت مؤرخة مختصة بالفن دراسة عن فنه وقصة حياته باللغة الألمانية فجميع لوحاته أصبحت مسجلة عالمياً باللغة الألمانية على صفحة (دييل).

قصة طريفة جعلته فناناً

وماذا عن قصة حياته وكيف اتجه للفن؟

كان بريمو يعمل في طلاء السيارات بدون كمامة، فمرض بالرئة عندما كان عمره 58 عاماً وأجبر على التوقف، فسأل صديقته ليندا: ماذا يمكنني أن أفعل؟ فأجابته: إما تعمل في الصوف والتريكو أو في الرسم والفن، فاختار الفن حيث كان موهوباً بالفطرة ومعجب بفنان من العائلة، ومعظم لوحاته رسمها على شرفة منزله أثناء ذهاب زوجته لعملها في المقهى، واستخدم تقنية الفن الزيتي على قطع من الخشب والكرتون.

الفنانة باربارا دعينا ننتقل للحديث عن فنه والمواضيع التي تناولها؟

يمكنني في البداية القول أن بريمو هو فنان هاوي وليس محترف، إذ كان يرسم للمتعة وليس للكسب المادي، وإن كانت زوجته تبيع أحياناً بعض لوحاته في الكافتيريا التي تملكها، ومعظم لوحاته ليس لها عنوان ولا تاريخ لكننا نفهمها ونعرفها.

وكانت اعماله تتمحور عن القرى والأشخاص والوجوه والحيوانات والطبيعة مثل بحيرة (جنيف) وبحيرة (بيل) وجزيرة(سان بيير) التي تقع داخلها، والزوارق التي تجوب فيها، والجبال الشهيرة مثل جبل (سيرفان) وجبل (شاسرال)، ولحظات غروب الشمس وغيرها.

بريمو لمسة إبداعية تعكس روحه المرحة

أنت كفنانة تشكيلية كيف تقيمين عمله من الناحية الفنية؟

أنا حقاً سعيدة بأعمال بريمو والأشياء التي يرسمها، وأجد في كل لوحة لمسة إبداعية خاصة، وأعتقد أن استخدامه الخاص للأشكال والألوان يعكس روحه وإحساسه كفنان هاوي.

وهل يمكن تصنيف أعماله ضمن مدرسة فنيّة محددة؟

لا ..هو لا ينتسب إلى أي مدرسة فنية لكنه جرب كل الطرق، وفي كل مرة نجد طريقة خاصة به، ولهذا لا أستطيع أن أحكم عليه، فهو في اللوحة الواحدة يستخدم أنواعاً مختلفة، لدرجة يمكن للبعض الاستهزاء بطريقته، أو بكلام آخر فإن أعماله تتميز بالبساطة الممزوجة بالعمل غير المكتمل.

توثيق جميع أعماله عالمياً

وما هو انطباع زوار المعرض؟

ما لاحظناه عند افتتاح المعرض الانبهار أمام قوة الرسم، وكان الانطباع جيداً وكل لوحة لها قصة حياة مميزة، ولكن بعض الزوار ينتقدوه ويستغلون فجوة تعدد الألوان والمدارس، لكنهم لم يرون جوانب أخرى.

لكننا عموماً اكتشفنا أشياء عديدة في نفس اللوحة تعكس نفسيته المتفائلة والتي تحب المرح، وهذا يؤدي إلى احترام كبير لإنسان قام بأعمال رائعة دون أي احتراف أو أساس وبث فيها الحياة.

أخيراً.. ما مصير أعماله وهل هناك إقبال على شراء لوحاته؟

صحيح أن بريمو إنسان ليس طبعه الفن ولم يحترف الفن، لكن موهبته وإبداعه جعلا أعماله لوحات فنية وهي وإن لم تصل لمستوى أعمال الفنانين الكبار مثل بيكاسو، ستبقى مهمة، ومن يشتري إحدى لوحاته فهو يشتري قصة، وبطريقة غير مباشرة كأنه اشترى كل لوحاته.

وبالطبع عندما تباع لوحاته فإنها ستعيش عند الناس من جديد، وبذات الوقت – وكما أشرنا سابقاًـ تم توثيق جميع أعماله في موسوعات وبنوك معلومات الدول الناطقة باللغة الألمانية، إضافة لمكاتب نشر عالمية في أوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *